Saturday 08/02/2014 Issue 15108 السبت 08 ربيع الثاني 1435 العدد
08-02-2014

الجبيل.. «قصة مدينتين»

كتب أستاذنا الدكتور جاسر الحربش مقالة جميلة في الجزيرة بعنوان، «ملتصقتان ولكن مختلفتان بالكامل»، تناول فيها قصة مدينتين «كانتا يوماً ما مدينة واحدة، ثم انفصلتا واحدة أمريكية والأخرى مكسيكية»، مستوحياً فكرتها من كتاب: «لماذا تفشل الأمم، أصول القوة والازدهار والفقر».

يخلص الدكتور الحربش إلى القول بأن: «تبعة نوغالس أريزونا للدولة الأمريكية فتحت الأبواب لمواطنيها للمشاركة في أنماط وفرص الحياة والتطور الأمريكية، أما تبعية نوغالس سونورا فجعلت سكانها يخضعون لفرص وأنماط متخلفة، مثلما هو سائد في بقية البلاد المكسيكية».

إسقاط الدكتور الحربش كان آية في الفكر التنموي، ما دفعني لاستعارة جانب من فكرته وإسقاطها على مدينتين سعوديتين متلاصقتين، كانتا يوماً ما مدينة واحدة، إحداهما تخضع لإشراف الهيئة الملكية للجبيل وينبع، وهي مدينة الجبيل الصناعية، والأخرى تخضع لإشراف الإدارات الحكومية التابعة للوزارات الخدمية، وهي مدينة الجبيل، إلا أنهما متضادتان في التنمية والإدارة ومستوى الخدمات.. الأمثلة الداخلية قد تكون أكثر ارتباطاً بالواقع المعاش، وأدق توضيحاً لقدرة الفكر الإداري على تحقيق التنمية الشاملة وفق المعايير العالمية.

بدأت الجبيل الصناعية من الصفر، كانت عبارة عن أراضٍ صحراوية فحوّلتها مشروعات التنمية إلى مدينة صناعية وسكنية من الدرجة الأولى، وبميزانية محدودة مقارنة بما تنفقه الدولة اليوم على التنمية.

أُنشئت الجبيل الصناعية وفق خطة إستراتيجية شاملة، أنجزتها شركات عالمية، وأدارتها بكفاءة الهيئة الملكية للجبيل وينبع، فتحوّلت إلى أجمل المدن المتكاملة في المنطقة، لا السعودية فحسب، ما انعكس إيجاباً على نوعية الخدمات المقدمة، ومستوى الدخل، وآلية العمل الحكومي داخل محيطها الجغرافي.

تضم المدينة استثمارات تفوق في مجملها 530 مليار ريال، وتوفر فرص عمل من الدرجة الأولى، وبأجور مرتفعة، والسكن المثالي، والخدمات الصحية والتعليمية والترفيهية والبلدية المتكاملة.. استقلالية الهيئة الملكية الإدارية، وإشرافها الشامل، ساهما في نجاحها، على الرغم من كون «الهيئة الملكية» جزءاً رئيساً من المنظومة الحكومية. اعتمدت الجبيل الصناعية على التخطيط الإستراتيجي والفكر التنموي والإداري الحديث، والإشراف الخدمي الشامل فحققت الكفاءة للإنفاق الحكومي، وأرست قاعدة التنمية المستدامة، وأسهمت في ترجمة (الإنفاق الاستثماري) الذي تتحدث عنه غالبية الوزارات، ولا تتقنه.

أما مدينة الجبيل، فقد استبعدها (المُشرع) من محيط إشراف الهيئة الملكية فسقطت في أيدي الوزارات الخدمية التي تفننت في إبطاء نموها، ووقف تطورها، مقارنة بابنتها البكر، الجبيل الصناعية، حتى أوشكت أن تكون طرفاً شعبياً للمدينة الصناعية.

لم تقصر الحكومة في مخصصات الجبيل المالية، إلا أن الإنفاق قد لا يحقق الهدف مع غياب الفكر التنموي، والتخطيط الإستراتيجي، والإدارة الطرفية الرشيدة.

الخطأ الإستراتيجي الذي وقع فيه المُشرع حين التخطيط لمستقبل الجبيل الصناعية، واستبعاده مدينة الجبيل من إشراف الهيئة الملكية، وعدم الدمج بين المدينتين، أحدث هوة تنموية خطيرة ستبقى شاهدة على قصور التنمية المتوازنة، والتمييز الخدمي بين مدينتين متلاصقتين، وغياب خطط العلاج الإستراتيجي.

أخلص إلى القول، بأن فوارق نوغالس أريزونا، ونوغالس سونورا التنموية، يمكن مشاهدة جانب منها في مدينتي الجبيل والجبيل الصناعية، وهو أمر مُخل بالعدالة التنموية، وسيلاحق، ما بقي، كل من تسبب في حدوثه بدءاً من المُشَرِّع وانتهاء بمن قَبِلَ باستمراره وتعايشَ معه، وإن تحصن بنظام (مُنحاز) وُضِع قبل أربعين عاماً.

فوارق التنمية بين المدينتين، تبرهن على أننا نملك القدرة على البناء، الإنجاز، والتطوير أسوة بالغرب، إلا أننا مقصرون في الخطط الإستراتيجية، والرؤية الشاملة، والتطوير ومواكبة التغير العالمي، والتنفيذ الرشيد.

الجبيل قصة مؤلمة لمدينتين متلاصقتين، تشتكي إحداهما جور الأخرى، وتنتظر حقها في الرقي والتقدم أسوة بجارتها المتداخلة معها، فمنْ يأخذ زمام المبادرة والمعالجة والإنجاز والتغيير؟.

f.albuainain@hotmail.com

مقالات أخرى للكاتب