Sunday 09/02/2014 Issue 15109 الأحد 09 ربيع الثاني 1435 العدد
09-02-2014

غير قابل للنقاش

قد تكون أحد أولئك الذين تعرضوا إلى موقف جرى النقاش فيه حول موضوع يعد بالنسبة لك من الأمور التي بلغت درجة اليقين أو القناعة التي لا ترضى البتة أن يبدى حولها رأي، أو تعرض على الطاولة للمناقشة أو النقد، أو التجريح والتعديل، إما لكونها من الأمور المقدسة التي يعد التسليم بها أمر لا خيار لبني البشر في إمكان قبوله أو رفضه، أو لكونها من الأمور السيادية التي تخص الهوية الذاتية أو الوطنية، أو لكونها من المسلمات التي بلغت درجة عالية من الكمال والرضا والتوافق المجتمعي الذي أكسبها حصانة حالت دون أن يتعرض لها أي أحد مهما كانت مسوغاته، وأكسبها مناعة جعلتها في منزلة لا تقل عن سابقتيها (المقدس - السيادي).

المقدسات حتما لا تقبل بأي حال من الأحوال أن يمسها أحد أو يساوم عليها مهما كانت سلطته وسطوته ومنزلته، لا تقبل المساومة أو المفاهمة على الطاولة أو تحتها، صراحة أو تلميحا، إنها أعلى مكانة، وأشرف منزلة، وبالتالي يعد التسليم بها والاعتزاز، وإنفاذها كلها أمر واجب الطاعة والمحافظة، ولا خيار في ذلك البتة.

السيادة ممثلة في المخزون المعرفي والثقافي الذي يجسد الهوية ويشكلها، بشقيها الوطني والذاتي، حتما لا تقبل بأي حال من الأحوال أن يمسها أحد أو يساوم عليها، مهما كانت وجهة نظره ووجاهة مسوغاته، السيادة ترجمة للعزة والكرامة، للكينونة التي يعد المساس بها انكسار بل انتحار، وبالتالي التسليم بها والاعتزاز وإنفاذها، أمر يجب الالتزام به والثبات عليه والمحافظة على أوجه خصوصيته وتميزه.

المسلمات المتمثلة فيما تعارف عليه عامة الناس أو ألفه مجموعة منهم في زمن ما أو مكان، وتقبلوه وأعطوه سلطة التحكم في تسيير الشؤون الحياتية وضبطها، هذه بلا شك أقل قيمة ووزنا من ( المقدس و السيادي ) وبالتالي فهي عرضة للأخذ والرد، ولا مشاحة في هذا التعريض لكونها مما لم يصل إلى منزلة التأصيل والتعميم.

المؤسف بل المخجل المؤلم، أن البعض يتخلى طواعية عن ما يعد من الثوابت، ويبدي استعداده المسبق لطرح كل القضايا الثلاث لا فرق بينها عنده ( المقدس - السيادي - المسلم )، فهي جميعها بالنسبة له قابلة للنقاش، فهو لا يتردد بل يهرول في تقبل بحثها على الطاولة، وإن تعذر تحتها، من أجل أن يسترضي الآخر الذي جاء وهو يعلن عن مواقفه المعروفة المعادية المشحونة بالكراهية والحقد، لذا تجده يتودد ويسوغ، ويجهد نفسه في استعراض ما يبدد هواجس المواقف المسبقة، وما يتوافق مع رغبات الطرف الآخر ويحقق رضاه.

لقد خص الله المسلمين وميزهم بشعائر دينية بلغت منزلة القداسة في وجداناتهم لكونها متوافقة مع الفطرة البشرية، و منسجمة مع العقل إدراكاً وتقبلاً، هذه الشعائر صريحة محكمة في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وبالتالي فهي خارج الأطر البشرية ومعاييرها التي تستخدم عند إقرار أمر أو رفضه، فالصلاة والزكاة والصيام والحج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرها من الشعائر الدينية، تعد خارج السلطة التشريعية للبشر، وبالتالي لا مجال البتة في إمكان النظر فيها بأي حال من الأحوال، سوى التسليم لها والانقياد والقبول، الحال نفسها تشمل الولاء والبراء الذي يعد من أعظم معاني التوحيد، فالولاء المتمثل في حب الله، وحب رسوله وآله وصحبه، وحب المؤمنين الموحدين ونصرتهم، أمر لا يقبل التفاوض أو المناقشة، إنه حب مطلق صادق لكل المذكورين، والبراءة المتمثلة في بغض من خالف الله، وخالف رسوله وآله وصحبه، وخالف المؤمنين الموحدين، من الكافرين والمشركين والمنافقين والمبتدعين والفساق، أمر لا يقبل التفاوض والمناقشة، إنه بغض مطلق صادق لكل المذكورين.

والحال نفسها تنطبق على الأمور السيادية، وأخص ماله صلة بالوطن والهوية الوطنية، مثل السياسات العامة، والمناهج الدراسية ومحتوياتها المعرفية، هذه خطوط حمراء عند من يمتلك الإرادة، وبالتالي يجب عليه أن يعلن عن موقفه تجاه هذه القضايا حتى لا يجرؤ أحد على مجرد التفكير في مناقشتها.

abalmoaili@gmail.com

مقالات أخرى للكاتب