Sunday 19/01/2014 Issue 15088 الأحد 18 ربيع الأول 1435 العدد
19-01-2014

أزمة عقل أم تربية

ترسخ في الثقافة العربية عموما، وفي الثقافة السعودية بصفة خاصة، صورة مشوهة عن المرأة، وانطباع بغيض بأنها في منزلة أدنى من الرجل، وترسخ في العقل والوجدان شعور بأنها يجب أن تكون في الصفوف الخلفية دائما، هذا الانطباع المشوه له تاريخ قديم من الاحتقار والنظرة الدونية للمرأة، متطرف في مواقفه، حاد في أحكامه، نشاز لا مسوغ له، بل لا أصل له من الناحية الدينية، ولا من الناحية العقلية ولا الاجتماعية، ولا من حيث المنطق والقيم والأخلاق، كل ما في الأمر أعراف جاهلية متوارثة، تشكلت في صور عديدة، تمثلت في الامتعاض من المرأة واحتقارها وكراهيتها، واعتبارها طرفا ثانويا في مكانته وأدواره، طرفا يجب أن يكون على الهامش دائما في كل شيء.

عجيبة هذه النظرة الحولاء الناشزة عن المرأة، ومما يزيد من حولها ونشازها كونها مازالت تتجدد في الذاكرة، يتوارثها الأبناء عن الآباء، على الرغم من أن المرأة هي الأم الحنونة، والزوجة الكريمة، والبنت الفاضلة،والأخت العزيزة، هي السكن الدافئ، والمنبع المتدفق مودة ورحمة، ومما يؤكد العجب الذي لا ينقطع أنه عندما تبحث عن أصل لهذه النظرة، فلن تجد لها ما يعضدها أبدا سوى كونها نظرة جاهلة، بل هي موروث متجرد من الحياء والاحترام، متحيز دون دليل، متطرف في المواقف، متأصل في الوجدان على الرغم مما نشاهده من تحولات كبيرة في أدوار المرأة علميا واجتماعيا وفي كل مجالات الحياة.

قد يكون لهذه النظرة في الماضي البعيد ما يسندها، لكون المرأة مغيبة تماما عن الحياة الاجتماعية عامة، والعلمية بصفة خاصة، ولكون المحيط الاجتماعي الذي تتحرك فيه المرأة محدودا تماما في مجالاته ومهماته وأوجه نشاطه، لكن المرأة الآن أضحت ملء السمع والبصر في محيطها الاجتماعي، وفي كل المجالات، علميا وعمليا، فكرا ومشاركة في أوجه التنمية المجتمعية على اختلاف مجالاتها ومهماتها وأوجه نشاطها، بل أثبتت تفوقا وتميزا مشهودا في مجال الطب على سبيل المثال، وفي أكثر من مجال أتيحت لها الفرصة أن تشارك فيه بالجهد والرأي، والشواهد على نجاحاتها عديدة.

كان الأمل أن تتلاشى هذه النظرة من الذاكرة المجتمعية، بعد المكانة المستحقة عن جدارة التي حققتها المرأة، لكن الواقع الحياتي ما زال يشهد ويكشف عن صور كريهة من الممارسات والانطباعات والمقولات التي تعد صدمة لأبسط العقول إدراكا وعدلا، وتثير الكثير من علامات الاستفهام والتعجب،

الأخطر من هذا والأنكى، ومما يزيد من ألم النظرة الحولاء للمرأة، ويكسو النظرة قتامة، أن الناشئة الصغار الذين مازالوا في أحضان أمهاتهم ويعتمدون عليهن في كل شؤونهم، مازالوا ينظرون النظرة نفسها، وينهجون النهج نفسه، ويتحدثون اللغة نفسها، ويمارسون الأدوار المتحيزة قولاً وعملاً.

في جلسة ضمت نخبة من المثقفين الذين لا تقل أعمارهم عن خمسين سنة، ذكروا وبشكل متواتر سواء من داخل محيطهم الأسري أو محيطهم الاجتماعي، ذكروا أن أبناءهم عندما التحقوا برياض الأطفال كانوا يكثرون من التذمر من الذهاب للدراسة والامتعاض منها، وأنهم يفضلون البقاء في البيت على الذهاب للدراسة، وبعد تتبع الأسباب تبين أن أبناءهم يرفضون أن تدرسهم امرأة، وأنهم يعدون ذلك منقصة، وعندما يسألونهم من تفضلون أن يدرسكم، تأتي الإجابة مستعجلة، نريد معلما رجلا.

لا نريد أن تدرسنا امرأة، وعندما أقرت وزارة التربية والتعليم التوسع في تأنيث تدريس الصفوف الأولية من التعليم الابتدائي، معتمدين في هذا على رؤية تربوية منطقية جدا، تبين أن جل المعلمات يرفضن تدريس الأولاد، لأسباب كثيرة، تواتر منها نظرة الأولاد للمعلمات نظرة لا تحترم المعلمة ولا تستجيب لتعليماتها سواء داخل الفصل أو خارجه، وأن هذه النظرة تنحصر تحديدا في الطلاب السعوديين دون غيرهم من الجنسيات الأخرى.

ترى هل هي أزمة عقل أم أزمة تربية ؟ أم أزمة فيهما معا؟

abalmoaili@gmail.com

مقالات أخرى للكاتب