Tuesday 18/02/2014 Issue 15118 الثلاثاء 18 ربيع الثاني 1435 العدد
18-02-2014

اليمن وماذا بعد انتهاء مؤتمر الحوار

أسدل اليمنيون الستار عن مؤتمر الحوار الوطني بعد استخلاص مخرجات يمكن لها في حال تنفيذها تحقيق طموحات اليمنيين في الأمن والاستقرار بعد عقود من الصراع والتناحر خلفت حالة من التخلف على شعب كان له ريادة تاريخية في صنع الحضارة الإنسانية.

لم يكن نجاح مؤتمر الحوار الوطني في اليمن شانا يمنيا بحتا ولم يكن الاحتفاء بتحقيقه قاصرا على اليمنيين وحدهم فقد عكس الحضور الإقليمي والدولي مدى التفاعل الإيجابي من جانب أشقاء اليمن وأصدقائه وتطلعهم المدعوم بمواقف ملموسة إلى استقرار هذا البلد ووحدته وتفرغ أبنائه لبنائه بدلا من إهدار طاقات وإمكانات اليمن وأبنائه في صراعات وتناحرات لم يستفد منها أحد وكان اليمن هو الخاسر الوحيد من كل ما كان يحدث من ممارسات خاطئة.

وكما يقول المثل الشائع الهزيمة يتيمة وللنصر ألف أب فالكل أصبح يتغنى بالحوار ويصف نفسه أنه كان من دعاته إن لم يكن داعيته الوحيد مع أن القاصي والداني والمنصف والمجحف لابد ما يسلموا أولا بحكمة وجهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز خلال استضافته للفرقاء السياسيين اليمنيين في الرياض لتوقيعهم على المبادرة الخليجية التي تأسس عليها هذا الحوار في حين كانت مهددة بالسقوط وثانيا لابد من التسليم بدور الرئيس عبدربه منصور هادي وقيادته التي جمعت بين الحكمة والحنكة والصبر والجلد حتى وصل المؤتمر إلى هذا المستوى الذي وصل إليه هذا اليوم .

وهناك البعض ممن لا يزال يسبح عكس التيار يرفضون نتائج مؤتمر الحوار بل ويراهنون على إفشال مخرجاته متناسين أن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة وقد أنجز اليمنيون خطوات في رحلتهم يجعل من المستحيل عليهم الرجوع أو التقهقر إلى جانب أن العالم ببعديه الإقليمي والأممي الذي وقف إلى جانب اليمن حتى انتهى مؤتمر الحوار مازال معنيا بمتابعة تنفيذ مخرجات هذا الحوار حبا في اليمن هذا الحب في نظري أعزيه إلى جملة عوامل يأتي في مقدمتها أن كل عربي ينظر إلى اليمن أنها المهد الأول للعروبة ومنبت الجذور للكثير إن لم يكن الجميع بينما ينظر إليها العالم كبلد صنع في يوم من الأيام حضارة لا تزال شواهدها ماثلة ويستحق أن يتعاون العالم من أجل منحه فرصة لاستعادة دوره ناهيك عن محاولات البعض ورهاناتهم الخاسرة لاستغلال اليمن كموطئ قدم لمؤامراتهم ضد أشقائه ومحيطه وهو ما لم يتم بيقظة اليمنيين وتعاون أشقائهم معهم.

ولئن كانت التجارب السابقة في اليمن بشطريه قبل التوحد قد صنعت نظامين كانا بعيدين عن الارتباط بعمقهما الإستراتيجي في الجزيرة والخليج فإن اليمنيين اليوم يتفاءلون كثيرا وهم يرون الرياض هي الراعية للتجربة اليمنية الجديدة التي بلا شك ستتجاوز هنات الماضي وتستفيد من التجارب الإنسانية الحديثة في بناء نماذج الدول المدنية القائمة على الحكم الرشيد.

وإذا كانت الرؤية لا تزال ضبابية بعض الشيء حول تحول اليمن إلى دولة اتحادية فأريد أن أعيد إلى الأذهان وأوضح لمن يجهل أن اليمن كان عبر تاريخه الغابر في العصر السبئي وما تلاه دولة اتحادية فكثير من النقوش الأثرية تحدثنا عن دولة سبأ وذوريدان وحضرموت ويمنات ومخاليفها أي أنها كانت مكونة من هذه الأقاليم وأيضا كان نظام الحكم يقوم على وجود حاكم محلي يسمى قيلا وممثلا للحكومة المركزية يدعى كبيرا وكانت بعض هذه الأقاليم تستقل فظهرت دول مثل اوسان وقتبان وحضرموت ومعين وأخيرا الدولة التي تسمت بدولة حمير وهي أخر الدول القديمة في اليمن مع أن كل من قاد اليمن كان من حمير.

ومع التسليم وكما سمعنا في كلمة الرئيس هادي في الجلسة الختامية لمؤتمر الحوار وكل مفردات وأدبيات المتحاورين أن الدولة القائمة ستكفل مبدأ المواطنة المتساوية وسيادة النظام والقانون بمعنى أن الأقاليم لن توجد تمايزا بين المواطنين فستكون الجنسية واحدة وحق العمل والتملك مكفول للجميع مع وجود إدارة محلية تتشكل في كل إقليم لها صلاحيات لا تتعارض مع سيادة الدولة اليمنية وهو ما ظللنا نبحث عنه في اليمن سنوات طويلة عبر الحديث والمطالبة بالحكم المحلي تارة وبالإدارة المحلية تارة أخرى وقد أثبتت تجربة التعاون الأهلي للتطوير في السبعينات من القرن العشرين نجاحا تنمويا منقطع النظير ويمكن تمثلها في تقريب الصورة للحكم المحلي.

لكن القوى المتنفذة التقليدية في شمال اليمن ودعاة الانفصال في الجنوب هما الذين يرون في الأقاليم شرا مستطيرا على مصالحهم ونفوذهم وهو أمر بلا شك سيدركه المواطن الهدف الأول والمستفيد الأول من كل التغييرات التي تجري وستجري.

واختتم مقالي هذا بتهنئة اليمن بكل فئاته وأبنائه بإنجاز هذه الخطوة المفصلية على طريق بناء المستقبل فإني أدعو في الوقت ذاته كافة الأشقاء وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي أن يكملوا مشوار دعمهم لليمن الذين يراهن كل العقلاء من أبنائه رهانا أساسيا على حكمة خادم الحرمين الشريفين حفظه الله في إسناد القيادة اليمنية ومد يد العون في حالة الاحتياج وهو أمر ما زالت اليمن تفتقر إليه فيظل وجود مؤامرات لا تقف عند اليمن وحدها لكنها تستهدف الجميع وقد تطالهم في حالة حدوثها لا سمح الله.

مقالات أخرى للكاتب