Sunday 23/02/2014 Issue 15123 الأحد 23 ربيع الثاني 1435 العدد
23-02-2014

من يقف خلف هذا الانحراف؟!

لا جدال في أن كرتنا إنما تعيش وضعاً عامّاً بائساً لا يليق بها، حتى في ظل تأهل الأخضر إلى النهائيات الآسيوية.. وحتى في ظل عودة النصر إلى جادة المنافسة كما يحاول، ويحلو للبعض أن يقنعنا من خلال الاستدلال بهذين الحدثين كوثيقة، أو كمؤشر على أننا تجاوزنا معضلتنا الممتدة لما يقارب العقدين من الزمن، بمجرد عودة النصر مدجّجاً بـ(التيفو) الذي (منُّه) وتأهل الأخضر.. بطبيعة الحال لا يمكن أن نبخس هذين الحدثين حقهما من الاحتفاء والإشادة، ولا سيما وقد تحققا بعد يأس وبعد عناء طويل امتد لعقود.. ولكنهما ليسا - فقط - الترياق الشافي للحالة المرضيّة المتردية التي تعانيها كرتنا، أو الذي يكفل عودة الأمور إلى نصابها.. هذا إذا قِسنا الأوضاع منطقياً، وأخضعناها بكل تجرد للمعايير المعتبرة.. أما إذا قِسناها بناءً على مستوى وحجم الضجيج الحاصل خارج ميادين ومرابع التقييم الفعلي للعمل ونتائجه.. فالأكيد أن لا أحد يضاهينا في هذا الميدان؟!.

** ذلك أنه على الرغم من حاجة كرتنا إلى قدر عال من العمل الجاد المخلص المركّز، والمرتكز على قاعدة ( نظيفة ) من الملوثات، سليمة من الأمراض، كي يتسنى العمل على إعادتها إلى حيث يجب أن تكون.. وهي بلا شك مهمة شاقة تتطلب الكثير والكثير من الإخلاص والمخلصين.. إلا أن ما يحدث الآن هو عكس المفترض تماماً!!.

** فقد طرأت على عموم المشهد عدة مستجدات وتطورات انحرفت بالأمور عن مسارها الطبيعي والمفترض.. وأخذتها إلى مسارات أخرى (نتنة) تنذر بشر عظيم، ليس على الرياضة وما في حكمها فحسب، وإنما على نطاق أوسع وأعمق، وأشدّ نتانة؟!!.

** فالتلفزة الفضائية تم (اختطافها) ومن ثم تسخيرها بكامل طاقاتها وعدّتها وعتادها ومواردها، لتشكل واحدة من أهم الأوبئة التي تنخر في جسد المجتمع ككل، وليس جسد الرياضة وحدها.. كل هذا تحت غطاء الأكذوبة التي اصطنعوها وروجوا لها زمناً طويلاً فحواها: استحواذ النادي الأزرق على نصيب الأسد من الاهتمام الإعلامي، وبالتالي فقد جاء الوقت الذي يجب أن يُرد له الصاع صاعين، فضلّوا وأضلّوا وأفسدوا، وشحنوا الرؤوس القابلة للشحن بالمزيد من الاحتقان والكراهية، وذلك من خلال التباري والتنافس البرامجي وغير البرامجي على إظهار الوجه القبيح، والهدف الحقيقي الكامن وراء جريمة الاختطاف، والبعيد كل البعد عن مبرراته وذرائعه الكاذبة المعلنة؟!!.

** ولأن المسألة بالنسبة لهم أضحت (سداح مداح) فلا بد من استثمار الوضع وفق مبدأ (يا بخت من نفّع واستنفع ).. لذلك شاهدنا بعض (العاهات) التي يتم تقديمهم على الشاشات كأصحاب رأي، بدعوى الإفادة من رؤاهم وتقييماتهم للأوضاع الرياضية، متضمنة إسداء النصح والتوجيه للجميع، كبارهم وصغارهم.. مثالنا في هذا الصدد فضيحة إحضار ذلك المراهق المنتشرة صوره وهو يجوب الميادين والساحات والأسواق مرتدياً ثوباً نصفه باللون الأصفر، والنصف الآخر باللون الأزرق، وتقديمه على أنه صاحب رأي حصيف من شأنه المساهمة في التنوير والإصلاح.. فيما المفترض تقديمه للمشاهد على أنه عيّنة للمشجع المتطرف الذي يجب بتره ومحاربته.. الطامة الكبرى أن المذيع (الفلتة) أظهر قدراً كبيراً من التناغم مع ضيفه إلى درجة التعبير له عن مدى الشرف الذي حظي به هو وبرنامجه جراء تلك الاستضافة.. وهاكم المزيد من الأمثلة : مقدم البرنامج الفضائي في القناة التجارية الذي عمل عامداً على تجريد اثنين من المواطنين أحدهما (مدرب) والآخر (حكم) من انتمائهما الوطني.. ولكونه من ذات الطينة والعجينة والتوجه، ولأنه قوبل بعاصفة شديدة من الاستهجان والاستنكار شملت كل شرائح المجتمع باستثناء الشواذ، لذلك سارعت قناة (....) إلى اختيار أحد مقالاته الصحافية كأحد الموضوعات الهادفة والجديرة بالاهتمام.. بينما الحقيقة هي السعي إلى الرفع من روحه المعنوية، وإثبات تضامنها معه في مساعيه وتوجهاته.. كذلك تم تعامل القناة ذاتها مع صاحب عنوان (الفتح) بكل ما فيه من قذارة، الذي أعاد الكرّة بالخروج عن جادة القيم والأخلاق عبر الصحيفة الوليدة الأخرى التي انضمّ إليها من خلال نشر (كاريكاتير) يجسد فيه أحد المواطنين في صورة (فأر).. ولأنه تعرض على إثر ذلك الفعل القبيح لموجة من السخط المبرر.. إلا أن ذلك عَزّ على القناة ذاتها، فبادرت إلى التضامن معه والوقف إلى جانبه من خلال استضافته عبر الأقمار الصناعية في مهمة تقويم اعوجاجات المتلقي، وتوجيهه وإرشاده!!.

** ومن مظاهر تطوير وتطوّر وسائل الانحراف عن الجادة، التي أضحت ماثلة للعيان، ويتم ممارستها جهاراً نهاراً دون اكتراث أو خجل على حساب الهم الأجدر بالاهتمام المتمثل بكيفية الخروج من نفق تردي وضعنا الكروي.. هو ما نشاهده اليوم من (تقصّد) واضح بغية إشغال الساحة عن بكرة أبيها بالكثير من القضايا والأمور الجانبية (المفتعلة) التي تتجاوز تداعياتها وتبعاتها محيط الرياضة وتنافساتها إلى ما هو أبعد؟!.

** ذلك أن المتابع اليوم لما يتم طرحه وتداوله عبر وسائل الإعلام.. سيجد أن معظمه غير معني بالأمور والجوانب المتعلقة بسبل النهوض بشأننا الرياضي، وتلمس احتياجاته.. فهو مشغول من رأسه إلى أخمص قدميه بين من يهاجم ويسيء للكيانات والرموز المضيئة، وبين من اضطر مرغماً للدفاع عنها وعنهم، وبين من يستميت في المنافحة والدفاع عن المسيئين وتلميعهم.. هذا عدا تبادل الاتهامات، والتعريض بمن خدموا رياضة وطنهم ونجحوا في ذلك بكل اقتدار!!

بضاعتهم رُدّت إليهم

** ليس مطلوباً منا - كمحايدين، أو كميالين لألوان أخرى - أن نقتنع ونسلم بما يلوكه النصراويون هذه الأيام من كلام مؤداه المنافحة المستميتة عن قوّة الدوري لهذا الموسم.. ذريعتهم أو حجتهم تتمحور حول حقيقة ماثلة للجميع، لكنهم اعتسفوها، ولووا ذراعها لكي تلبي مقاصدهم!!.

** ففي سبيل تمرير مساعيهم الإقناعية (الهزيلة).. يصرون على مسألة الصراع المحتدم بين أكثر من عشرة فرق بعضها ذات باع طويل في تحقيق البطولات والمنافسة عليها بما فيها بطل الموسم الماضي.. في نطاق خطر الهبوط.. وفي نطاق نقطي يتراوح بين الـ(20) والـ(30) نقطة تقريباً، معتبرين ذلك مقياساً على قوة الدوري، بل إن بعضهم يصفه بأقوى دورياتنا على مدى عشرة أعوام!!!.

** هذا الحماس، جعلهم يغفلون أو يتغافلون عن حقيقة المعيار الحقيقي للموضوع، وهو أن نقاط الدوري كاملة هي (72) نقطة، وأن الصراع المحتدم بين هذا العدد الكبير من الفرق في هذا الحيز النقطي المتدني إنما يبرهن على (وهن) الدوري لأعلى قوته كما يدّعون.

** العجيب في الأمر أنه خلال المواسم العديدة الماضية التي كان النصر خلالها أحد الضيوف الدائمين على المناطق الدافئة في سلم الترتيب، وحتى عندما كان قاب قوسين أو أدنى من الهبوط لولا فزعة (ابوعجرا).. كان النصراويون أكثر من ينعت تلك المواسم بالضعف، لسبب بسيط وهو أنهم يقيسون الأمور من خلال فريقهم، وهاهم اليوم يمارسون ذات المنطق لكن في الاتجاه المعاكس، أي من خلال الوجه الآخر من العملة.. بمعنى أن هذه هي بضاعتهم رُدت إليهم، مع الفارق الشاسع في قيم المصداقية بين ما كانوا يسوقونه في هذا الجانب خلال العقدين الماضيين وما يسوقونه اليوم، وبين الواقع!!.

** الخلاصة: لا جدال في أن فارس نجد يغرد خارج السرب هذا الموسم.. مع عدم إغفال عوامل هذا التغريد التي تهطل عليه من كل حدب وصوب؟!.

مقالات أخرى للكاتب