Sunday 02/03/2014 Issue 15130 الأحد 01 جمادى الأول 1435 العدد
02-03-2014

هل أخطأت وزارة التربية في حق المعلمات المغتربات

أخطر المواقف والأقوال وأكثرها مجانبة للصواب، ما يستند على العاطفة في تكوينه، لأن تلك المواقف والأقوال ستكون منفعلة، وبالتالي فهي مضللة تفتقر للموضوعية والصدق، سطحية هشة يسهل تعريتها وبيان زيفها، لأن الأصل في تكوين المواقف والأقوال المعرفة، والقاعدة الفقهية تنص على أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، والتصور لا يمكن أن يتم إلا بناء على معرفة تامة، وإحاطة شاملة بالأمر المراد تكوين موقف حوله، أو صياغة مقولة عنه.

وتعد قضية المعلمات المغتربات من أكثر ما تم تناوله في وسائل الإعلام بصفة طغت عليها العاطفة والانفعال، لأن الحوادث المأساوية التي تتعرض لها المعلمات أثناء ذهابهن أو عودتهن من مدارسهن البعيدة عن مقار سكنهن باتت مع توالي حدوثها مؤرقة محزنة، وهي كذلك بطبيعة الحال، لأن هذه الحوادث وغيرها مؤلم مؤسف، وبالتالي الألم الناشيء عن حوادث السيارات أياً كانت صفته يعد من الصور المقلقة التي تتطلب المزيد من المعالجة وتقليل المخاطر.

وانطلاقاً من قاعدة الحكم على الشيء فرع عن تصوره، لابد من البحث في الأسس المعرفية الثابتة لهذه القضية مستبعدين العواطف والانفعالات. من البدهيات المعلومة أن وزارة التربية والتعليم مسؤولة عن توفير التعليم لكل طالب وطالبة أينما وجدوا، وفق الضوابط والشروط المعتمدة المعتبرة لافتتاح المدارس، ومعلوم ترامي أطراف المملكة وسعة رقعتها الجغرافية، ومعلوم انتشار التجمعات البشرية وتشظيهم إلى مجموعات صغيرة لاعتبارات الكل يعرف مسوغاتها، ومعلوم السعي الحثيث بل والإلحاح الشديد من سكاني تلك التجمعات السكانية الصغيرة إلى درجة لا تعرف الكلل ولا الملل بشأن افتتاح المدارس في تلك التجمعات، وترتب على ذلك افتتاح مدارس في أماكن نائية لا ينطبق على الكثير منها ضوابط افتتاح المدارس.

في السابق وعندما كانت المعلمات السعوديات غير متوفرات بالأعداد المناسبة، كان تأمين الاحتياج يتم بالتعاقد من خارج المملكة، وكان تسديد الاحتياج وأخص في التجمعات السكانية النائية يتم من المعلمات المتعاقدات، وبالتالي لم تتبين المشكلة لكون المعلمة المتعاقدة تأتي من بلدها مع محرمها وتسكن في المكان الذي توجد فيه المدرسة، راضية بهذا متقبلة له، وتستمر في المدرسة مدة عقدها، نظراً لعدم توفر المعلمة السعودية المنافسة لها، ولهذا السبب لم يشعر المجتمع بالمشكلة، فالمعلمات السعوديات بالكاد يغطين الاحتياج في المدن الرئيسة، وفي التجمعات السكانية الحضرية التي تتوفر فيها كل أسباب الحياة التي لا تختلف عن المدن الكبيرة.

وبعد أن بدأت قوائم الانتظار لدى وزارة الخدمة تطول بالمعلمات السعوديات، أوقفت وزارة التربية التعاقد من خارج المملكة نظراً لتوفر المعلمات السعوديات، وهذا قرار صحيح، ولكن كان لهذا القرار تبعاته الإدارية المقلقة لوزارة التربية، فالوزارة بعد أن كانت تسدد احتياج المدارس النائية بالمعلمات المتعاقدات بكل يسر، أضحت تواجه صعوبة بالغة في ذلك لكون تسديد الاحتياج اقتصر على المعلمات السعوديات. وأمام الوزارة في التعامل مع هذه الصعوبة خيارات منها:-

) أن تستمر في تسديد الاحتياج في التجمعات السكانية النائية الصغيرة من المعلمات المتعاقدات.

) أن تنقل وزارة التربية الطالبات من تلك التجمعات إلى أقرب تجمع سكاني كبير.

) أن تقفل تلك المدارس.

وكل هذه الخيارات مستحيلة، وأمام التفكير في إنفاذها خرط القتاد.

وهو المعتمد حالياً، حيث تعلن الوزارة عن حاجتها من المعلمات، تتقدم المعلمة وهي بكامل قواها العقلية طائعة مختارة برغبتها في التعيين في عدد من الإدارات التعليمية بحسب ما رجح لديها مناسبته، إدارة التربية وبحكم مسؤوليتها النظامية والأخلاقية عن التعليم توجه المعلمات وفق ضوابط وقواعد مفاضلة، وبعد أن تتسلم المعلمة قرار التعيين تفاجأ بأن المكان غير مناسب، ومن هنا تبدأ رحلة المعاناة، وهي مؤلمة وشاقة يتعذر على كثير من الرجال تحملها.

في ضوء ما سبق يتبين صواب موقف وزارة التربية وعدالته، وأن من يزعم أنها تتحمل تبعات ما يحصل للمعلمات المغتربات واهم غير مدرك للحقيقة.

abalmoaili@gmail.com

مقالات أخرى للكاتب