Saturday 08/03/2014 Issue 15136 السبت 07 جمادى الأول 1435 العدد
08-03-2014

بلادنا.. قبلة الدنيا

حفاوة وتكريم

وأنا أتابع صدى جولة سيدي صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز آل سعود، ولي العهد الأمين، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع -حفظه الله ويرعاه- الآسيوية التي شملت الباكستان واليابان والهند وجمهورية المالديف. فالباكستان دولة إسلاميَّة كبيرة، ذات إستراتيجية مهمة. أما أرض الشمس المشرقة (اليابان) فهي ثالث أكبر دولة اقتصاديَّة في العالم، ورائدة في مجال التقنية، إِذْ تمتلك أعلى مستوى من العلم والتقنية في العالم، لاسيما في مجالات المياه والطاقة المتجدِّدة والطب والنقل وغيرها. ولهذا تحظى بما تستحق من اهتمام لدى قائد مثل سلمان، وأذكر أنّه زارها يوم كان أميرًا للرياض، عام 1418هـ (1998م). وللهند، تلك الدَّولة القارة، أهمية كبيرة لدينا، فنحن أكبر مصدر للنفط إليها، كما أنها لا تقل أهمية عن اليابان من حيث التقدم التقني، خاصة تقنية المعلومات والإلكترونيات والاتِّصالات، إِذْ تصدر عمالة تقنية إلى أعظم دولة في العالم (أمريكا) بما يزيد عن ملياري دولار سنويًا. وجمهورية المالديف، دولة شقيقة مسلمة، ذات إمكانات محدودة، لا تستغني عن دعم دولة رائدة، ذات مسؤولية إسلاميَّة عظيمة، كالمملكة العربيَّة السعوديَّة. ولهذا، ما كان لقائدٍ مثل سلمان، أن يهمل أهمية العلاقات الإستراتيجية مع تلك الدول، فشد الرحال إليها، فاستقبلوه بما يليق به من حفاوة وتكريم، واحترام وتقدير، لبلاده ولشخصه الكبير، حيثما حل.

أقول: وأنا أتابع صدى تلك الزيارة عبر مختلف وسائل الإعلام، وما حظيت به بلادنا الغالية، ممثلة في شخص سموه الكريم والوفد المرافق، من ترحيب وحفاوة وتكريم من الإمبراطور أكيهيتو، إمبراطور اليابان لدى استقبال سموه ومرافقيه في القصر الإمبراطوري بالعاصمة اليابانية طوكيو، وكذلك الحال من ولي عهد اليابان نارو هيتو، وأيْضًا من السيد شينزو آبي، رئيس وزراء اليابان عندما استقبل سمو ولي العهد ومرافقيه بديوان مجلس الوزراء الياباني، والحفاوة والترحيب ودفء الاستقبال الذي حظي به سموه الكريم - وهو حق مكتسب - من الدكتور كاورو كاماتا، رئيس جامعة واسيدا العريقة، ونائبيه ووكلاء الجامعة، التي منحت سمو الأمير سلمان شهادة الدكتوراة الفخرية في الحقِّوق، تقديرًا لإسهاماته المتميزة في بلاده والعالم أجمع، حيث لخَّص سموه الكريم من منبرها جوهر رسالتنا: (مستمدة من التعاليم الإسلاميَّة، روحها التسامح، وأداتها التفاهم والحوار، وهدفها التصدي للتطرف، وأساسها العمل الفاعل الذي ينشد الخير للشعوب، وطموحها تعميق الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وهذا ما جاء في مبادرة الملك عبد الله للحوار بين أتباع الديانات والثقافات، ويحقِّق المصالح بعدالة ونزاهة وشفافية).

والشيء نفسه يقال، عندما رأينا مشاعر الفرح والتقدير والاحترام، بل والابتهال، بزيارة ولي عهدنا الأمين، سلمان الوفاء والشمم، مطبوعة على وجوه كافة اليابانيين، احتفاءً بمقدم سموه الكريم، تقديرًا واحترامًا وعرفانًا لبلادنا الغالية، واعترافًا بمكانتها، وريادتها، وبالضيف الكبير الذي حلَّ بين ظهرانيهم، ناشدًا السَّلام والخير والأمن والأمان والاطمئنان لكافة شعوب العالم.

أجل.. وأنا أتابع صدى تلك الزيارة الميمونة وما حظي به سيدي ولي العهد الأمين من حسن استقبال وحفاوة وتكريم حيثما ذهب، يليق ببلد عظيم كبلادنا وقائد كبير كسلمان بن عبدالعزيز، لفت نظري مقال مقتضب للسيدة فيونا وولف، عمدة مدينة لندن، عاصمة الإمبراطورية التي يزعمون أن شمسها لا تأذن بمغيب أبدًا. نشر في جريدة الرياض، عدد يوم الخميس 20-4-1435هـ، الموافق 20-2-2014م، العدد 16677، السنة الحادية والخمسون، ص 2؛ وهو العدد نفسه الذي احتشد بصور الاستقبال الحافل لأمير الخير والإحسان سلمان، من لدن الإمبراطور أكيهيتو في القصر الإمبراطوري، ومن لدن رئيس الحكومة اليابانية السيد شينزو آبي بديوان مجلس الوزراء، أقول: لفت نظري ذلك المقال المقتضب، المفعم بمعاني كبيرة ودلالات عميقة، إِذْ استعرَّضت السيدة فيونا وولف، شراكة بلادها مع بلادنا في عدَّة قطاعات كالطاقة، التَّعليم، الثقافة، التجارة، الرِّعاية الصحية، الدفاع وغيرها، معتبرة إيَّاها - حسب قولها: (شراكة قائمة بين ندَّين متساويين).

مؤكدة أن بلادنا أكبر شريك تجاري لبلادها في الشرق الأوسط، معربة عن ترحيب بلادها الكبير بطلابنا المبتعثين الذين يدرسون في جامعاتها في مختلف التخصصات، معترفة بدور بلادنا الرائد في اعتماد نظم ماليَّة متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلاميَّة، متطلعة لإيجاد مزيد من فرص العمل لمواطنيها في بلادنا، ومختتمة مقالها بتأكيد فخر البريطانيين بوقوفهم جنبًا إلى جنب مع بلد صديق وحليف وعزيز عليهم.

مبدأ عظيم

فمن يتأمّل لغة مقال عمدة لندن، وما اشتملت عليه من تعبيرات صريحة، تؤكد أن بلادنا (ندٌّ) لإمبراطورية عظيمة، لا تغيب عنها الشمس، وأن أهل تلك الإمبراطورية يفخرون بصداقتهم لنا، وتحالفنا معهم، ووقوفهم معنا جنبًا إلى جنب.. من يتأمَّل ذلك جيدًا، يدرك كم هي عظيمة نعمة الله علينا، إِذْ جعل من بيننا قيادة رشيدة حكيمة، صاحبة رسالة عظيمة، تتطلَّع دومًا إلى الخير والسَّلام لمواطنيها ولكافة البشر في جميع أصقاع الدنيا.

ولولا فضل الله علينا، وهذا المبدأ العظيم لقيادتنا، الذي صاغه المؤسس الكبير، الملك عبد العزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود - طيَّب الله ثراه-: (إننا - آل سعود - لسنا ملوكًا، ولكننا أصحاب رسالة). أقول: لولا فضل الله، ثمَّ تلك الرسالة السامية، التي تنشد الخير والسَّلام، وتهدف لإعمار الكون، تحقيقًا لمبدأ الخلافة في الأرض، لما تحوَّلنا من مجتمعات صحراوية.. بدائية متناحرة، عاجزة عن توفير قوت يومها، إلى دولة مدنية عظيمة، يخطب العالم ودَّها، وتتمنى دوله العظمى صداقتها والتحالف معها، بل وتشعر بالفخر والاعتزاز بوقوفها إلى جنبها.

وصحيح.. مشكورة السيدة فيونا وولف، عمدة لندن، التي تعرف لبلادنا حقها، غير أن تلك ليست المرة الأولى التي يعترف فيها العالم بريادة بلادنا، وثقلها السياسي والاقتصادي والحضاري، ويعتز بتعامله معها. فها هو السفير الياباني لدى المملكة، السيد جيرو كوديرا، الذي استقبله سمو ولي العهد الأمين سلمان الوفاء بمكتبه بالرياض إثر تعيينه سفيرًا، يوم السبت 7-3-1434هـ، الموافق 19-1-2013م، يؤكد في أول مشاركة إعلاميَّة له، نشرت بجريدة الرياض، بعد شهر واحد من وصوله المملكة، يوم الأحد 8-3-1434هـ، الموافق 20-1-2013م، العدد 16281، ص5، السنة الخمسون، أن (المملكة العربيَّة السعوديَّة هي بلد ذات تقاليد متميزة وثقافة رائعة تلعب دورًا مهمًا جدًا لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد العالمي... كما تلعب المملكة العربيَّة السعوديَّة دورًا مهمًا في الحفاظ على السَّلام والاستقرار في الشرق الأوسط) مضيفًا: (وأنا مقتنع بأن اليابان والمملكة العربيَّة السعوديَّة يمكن أن تعملا معًا من أجل تحسين الاقتصاد العالمي). معربًا عن تقديره (العميق لدعم حكومة وشعب المملكة العربيَّة السعوديَّة لليابان، بعد الزلزال الكبير الذي ضرب شرق اليابان في مارس 2011م). مختتمًا مشاركته تلك بالتأكيد على أن (اليابان لن تنسى أبدًا روح التضامن والدعم الحماسي من المملكة العربيَّة السعوديَّة الذي تَمَّ تقديمه لليابان وهي تواجه أكثر الأوقات صعوبة).

وفي مشاركة أخرى له، نشرت بجريدة «الجزيرة»، الاثنين 28-1-1435هـ، الموافق 2-12-2013م، العدد 15040، ص 25، بعنوان: (أكثر من موضوع) أكَّد السفير جيرو كوديرا أن بلادنا: (دولة رائدة، مسؤولة عن الأمن والاستقرار في المنطقة العربيَّة والشرق الأوسط) مشيدًا بما تتمتع به ولله الحمد من أمن، وتحققه من تنمية واستقرار، مقدرًا جهود بلادنا في مجال حقوق الإِنسان، ومشيدًا بدورها المهم في تشجيع الحوار بين الأديان ومختلف الثقافات، وتعزيز أهمية روح التسامح والاعتدال.

وفي مشاركة ثالثة بمناسبة اليوم الوطني لبلاده، الذي يحلّ في الثالث من ديسمبر كل عام، نشرت بجريدة الرياض، الثلاثاء 29-1-1435هـ، الموافق 3-12-2013م، العدد 16598، السنة الحادية والخمسون، يعتز السفير جيرو كوديرا بعلاقات بلاده مع بلادنا التي تعود لعام 1375هـ (1955م) أيّ لستة عقود مضت، مؤكِّدًا ثقته مرة أخرى في اهتمامنا بالسلام والاستقرار من أجل خير العالم.

أما أهم مشاركة اطلعت عليها لهذا السفير الياباني المميز، فقد كانت حقًا مميزة، تؤكّد معرفة الرجل بحجم البلاد التي يمثِّل فيها مصالح بلاده، ودورها الريادي في سلام العالم وأمنه واستقراره وتحقيق رخائه، بل ورفاهيته، نشرت بجريدة الرياض، الاثنين 24-7-1434هـ، الموافق 3-6-2013م، العدد 16415، السنة الخمسون، ص 22، بعنوان: (كرم الضيافة يوطد العلاقات الثنائية) بعد ستة شهور فقط من وصوله بلادنا.. أشار فيها بكرم السعوديين، وأكَّد فيها شراكة بلاده الدائمة لبلادنا: (أصبح البلدان شريكين دائمين مهمين جدًا في مجال التجارة والاستثمار)، مشيرًا إلى زيارة رئيس وزراء اليابان، السيد آبي في تعزيز الاتجاه نفسه: (أعرب رئيس الوزراء السيد آبي خلال زيارته عن تأكيده على تأسيس شراكة شاملة، تهدف إلى تحسين استقرار المنطقة وازدهارها)، بل أعرب عن تطلّع بلاده لشراكة دائمة مع بلادنا: (تأمل اليابان أن تكون شريكًا طويل الأمد مع المملكة العربيَّة السعوديَّة في مجالات متنوعة). مشيدًا بسعي بلادنا، على لسان رئيس وزراء حكومة بلاده، للتعاون والتعايش والازدهار المشترك بين الشعوب، مؤكِّدًا مرة أخرى، فخر بلاده واعتزازها بتعاونها مع بلادنا التي ترى فيها شريكًا أصيلاً، ودولة رائدة ذات قيادة مسؤولة: (إنه لشرف لنا أن نقوم بالتعاون مع المملكة العربيَّة السعوديَّة كعضو في مجموعة العشرين، من خلال التَّوصُّل للتعامل مع القضايا العالميَّة).

مكانة دوليَّة مرموقة

ومن جانبه، أكَّد السفير الأمريكي السابق، السيد جيمس سميث، في كلمته بمناسبة البيعة السابعة لخادم الحرمين الشريفين، التي نشرت بجريدة الرياض، الأربعاء 25-6-1433هـ، الموافق 16-5-2012م، العدد 16032، ص23، السنة التاسعة والأربعون، أن بلادنا (أصبحت في ظلِّ القيادة الحكيمة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، تضطلع بدور مؤثِّر ومتزايد، لا في الشؤون الإسلاميَّة والإقليميَّة فقط، بل على الصعيد الدولي أيضًا... فقد أصبحت زعيمة في المحافل الدوليَّة أكثر فأكثر، وهي البلد العربي الوحيد والبلد الإسلامي الثالث فقط، الذي يحظى بشرف عضوية مجموعة العشرين) مشيدًا بما تتخذه قيادتها من قرارات حكيمة وسياسة معتدلة، وتبنيها لغة الحوار بين الأديان والعمل على مكافحة الإرهاب، والسعي الحثيث من أجل رفاه العالم وأمنه واستقراره، معربًا عن تطلَّع بلاده للعمل مع بلادنا لسنوات عديدة: (تتمتع الولايات المتحدة والمملكة العربيَّة السعوديَّة بعلاقات استراتيجية قوية جدًا وراسخة... ونحن نتطلَّع قدمًا للعمل في شراكة وثيقة لسنوات عديدة في المستقبل). وفي كلمة له هنأ فيها خريجي بلادنا الذين درسوا في أمريكا نيابةً عن الرئيس أوباما والشعب الأمريكي، نشرت بجريدة الرياض، الأحد 16-7-1434هـ، الموافق 26-5-2013م، العدد 16407، السنة الخمسون، ص 21، أكَّد السيد سميث، اعتزاز بلاده وتشريفها، باختيار السعوديين لها وجهة أساسيَّة لتعليم أبنائهم: (إنني أعتزُّ لأنكم اخترتم الدراسة في الولايات المتحدة... ويشرفنا أنكم عهدتم إلينا بأغلى ما لديكم، وهم أولادكم وبناتكم.. فشكرًا لكم).

وفي كلمة له بجريدة الرياض، الاثنين 15-8-1434هـ، الموافق 24-6-2013م، العدد 16436هـ، السنة الخمسون، ص2، أعرب فيها عن قلقه مما تشكله الأمراض غير المعدية من خطر على صحة الإِنسان، أكَّد السفير الأمريكي السابق، ثقة بلاده في بلادنا للعمل في مساعدة العالم ودعمه للحد من هذا الخطر (إن الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربيَّة السعوديَّة لديهما تاريخ من التعاون الممتاز... ويمكننا من خلال العمل سوية، أن نساعد بعضنا البعض، وأن نساعد بقية العالم في إبطاء الأثر المدمر لهذه الأمراض على صحتنا، وبالتالي على اقتصادنا).

والحقيقة، أرى أن السفير الأمريكي السابق، السيد سميث، من السفراء القلائل الذين عرفوا بلادنا وخبروها، وقدروا مكانتها وريادتها في العالم، إِذْ تجاوزت مهمته العمل الإداري داخل سور السفارة والأعمال الرسمية مع الجهات الحكوميَّة، ليتغلغل في النسيج الفكري والثقافي والاجتماعي لبلادنا، كما جاء في حديثه الضافي الشيق عن تجربته في المملكة بمناسبة انتهاء فترة عمله، الذي نشر في جريدة الرياض، الجمعة 21-11-1434هـ، الموافق 27-9-2013م، العدد 16531، السنة الخمسون، ص9، الذي أكَّد فيه متانة العلاقة بين بلدينا، مشيدًا بما تنعم به بلادنا من أمن واستقرار، وما تضطلع به من مسؤولية عالميَّة عظيمة في رعاية المسلمين، دون أن ينسى كرّم السعوديين وحسن وفادتهم، وعدالتهم وحكمتهم في النظر للأمور (العلاقة بين أمريكا والسعوديَّة علاقة مهمة للغاية، يعود عهدها إلى 14 فبراير عام 1945م... الاستقرار في المنطقة أمر في غاية الأهمية، تتحمل كل من الولايات المتحدة والمملكة العربيَّة السعوديَّة مسؤوليات عالميَّة... إننا نرى أن السعوديين قبلوا تولي المسؤولية العالميَّة في دعم المسلمين في سائر أنحاء العالم... يمكننا إجراء حوار حول المسؤوليات العالميَّة لبلدينا، وليس فقط مسؤولياتنا الوطنيَّة... وعلى الرغم من جميع التحدِّيات التي يواجهونها، وجميع الانتقادات التي نميل لتوجيهها إلى السعوديين، علينا أن نأخذ في الاعتبار أنه حصل لديهم تحوَّل ملحوظ على مدى جيلين... إنهّم يجزئون الأشياء بطريقة لا نفعلها نحن. أنهّم يستطيعون رؤية الجانب الجيد لأمريكا، ويستطيعون أن يفصلوا ذلك عن الانتقادات للسياسيَّة الخارجيَّة الأمريكية... السعوديون شعب مضياف، وهم من أقرب وأكرم الناس الذين قد تلتقي بهم على الإطلاق، ويستند كل شيء هنا إلى الثقة والاحترام).

رعاية شاملة

والحقيقة الشواهد على تحمل السعوديَّة لمسؤولياتها في العالم عامة، والعالم الإسلامي خاصة، تعجز من يحصيها، غير أنني اكتفي هنا بإشارة عابرة لما تداوله الإعلام، وأنا أعد مقالي هذا للنشر، من رعاية قائدنا خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز -حفظه الله-، للمؤتمر العالمي الذي نَظَّمته الأمانة العامَّة لرابطة العالم الإسلامي بعنوان (العالم الإسلامي.. المشكلات والحلول) الذي افتتحه صاحب السمو الملكي الأمير مشعل بن عبد الله بن عبدالعزيز، نيابة عن خادم الحرمين الشريفين، بمكة المكرمة يوم الأحد، 1-5-1435هـ، الموافق 2-3-2014م لمناقشة أوضاع الأمة الإسلاميَّة، وتعزيز وحدتها وتضامن شعوبها وتعاونهم. أضف إلى هذا، الدعم السخي الذي قدمه سيدي سمو ولي العهد الأمين الأمير سلمان -حفظه الله-، أثناء جولته الآسيوية، وتبرعه ببناء عشرة مساجد في المالديف وتقديم مليون دولار أمريكي دعمًا لأوقاف المركز الإسلامي المالديفي لمساعدة المسلمين هناك. وعلى كلٍّ حال، لم يكن هذا أول دعم من السعوديَّة لجمهورية المالديف الشقيقة، وبالطبع لن يكن الأخير، إِذْ تتلقى دعمًا سخيًّا من بلادنا عبر الصندوق السعودي للتنمية، فذلك جزء مهم من رسالتنا، وقطعًا سيكون دومًا موضع اهتمام قادتنا الأماجد، حفظهم الله ورعاهم.

كما أشاد السفير الأمريكي السابق لدى المملكة، السيد سميث، في كلمة له بمناسبة زيارته لمعرض (سلمان بن عبدالعزيز.. الريادة في التراث العمراني) بما تتمتع به بلادنا، ولله الحمد، من إرث حضاري وعمق ثقافي (إن المملكة دولة ذات عمق حضاري عريق) مثمنًا جهود ولي العهد الأمين، سلمان الوفاء، بخدمة التراث ورعايته، مؤكِّدًا أن سموه الكريم يتمتع برؤية ثاقبة لدعم التراث الوطني والاهتمام به، بل إن جهوده في هذا المجال تتخطى الحيز المحلي والإقليمي إلى مختلف دول العالم.

وفي آخر مشاركة اطلعت عليها بقلمه، نشرت في جريدة «الجزيرة»، الأحد 23-11-1434هـ، الموافق 29-9-2013م، العدد 14976، بعنوان (أيام طيبة قضيناها في المملكة) كانت تلويحة وداع جد مؤثِّرة، تنم عن شخصيَّة دبلوماسية رفيعة، تكن للدولة المضيفة وشعبها كل تقدير واحترام، إِذْ أكَّد فيها السفير الأمريكي السابق سميث، أهمية بلادنا، مثمنًا دورها في إحلال السَّلام والأمن والرخاء في العالم (أصبح تعاوننا مع المملكة العربيَّة السعوديَّة أقوى من أيّ وقت مضى، ومصالحنا المشتركة أوثق، وأسس علاقتنا أكثر صلابة... نحن نقدر النشاطات الخيريَّة التي تقوم بها المملكة العربيَّة السعوديَّة في جميع أنحاء العالم، والجهود التموينية الجبارة التي تسمح لملايين الحجاج لأداء فريضة الحج وزيارة الحرمين الشريفين).

مختتمًا كلمته بعبارات مؤثِّرة (لقد أحببنا أنا وجانيت - زوجته - الوقت الذي قضيناه هنا، فالمملكة العربيَّة السعوديَّة هي بلد جميل) معربًا عن سعادته بزيارته اثنتي عشرة منطقة من مناطق بلادنا، وإعجابه بما شاهده فيها من معالم ثقافية وتاريخية جميلة، مؤكِّدًا أنّه يحتفظ بذكريات رائعة عن بلادنا، لكن الأهم من ذلك في نظره (سوف نحتفظ أنا وجانيت بالذكريات عن أولئك الذين التقيناهم في المملكة العربيَّة السعوديَّة... هذا العدد الكبير من الناس الرائعين المضيافين).

شراكة مصيرية

ولا شكَّ أن كل باحث منصف، ومراقب حصيف، يستطيع رصد سيل من اعترافات شخصيات كثيرة مرموقة، مثلت بلدانها لدينا، وعاشت ردحًا من الزمن بين ظهرانينا، فشهدت بريادة بلادنا وإمكاناتها الهائلة وقدرتها على احتلال مكانتها اللائقة بها في خريطة العالم، بتوفيق الله لها، ثمَّ بحكمة قادتها، وسلامة منهجها واعتدال سياستها ووسطيتها في أمورها كلّّها، التي شهد بها القاصي قبل الداني، وحرصها على نفع الناس وعمارة الأرض، ونشر السَّلام وبسط الخير.

فها هو سفير كوريا الجنوبيَّة لدينا، السيد كيم جين سو، يكتب في جريدة الرياض، الاثنين 21-1-1435هـ، الموافق 25-11-2013م، العدد 16590، ص 30، بمناسبة اليوم الوطني لبلاده، مقالاً بعنوان (سيئول والرياض، صداقة تاريخية وشراكة مميزة) مشيدًا بمتانة العلاقات بين بلدينا التي تجاوز تاريخها نصف قرن من الزمان (منذ 1382هـ - 1962م)، مؤكِّدًا أن (لدى كوريا إرادة لا تكل ولا تمل، ومستعدة تمامًا لتقوية العلاقات مع المملكة في كافة المجالات).

وفي مقال له بمناسبة اليوم الوطني لبلاده، نشر بجريدة الرياض، الخميس 5-12-1434هـ، الموافق 10-10-2013م، العدد 16544، السنة الخمسون، ص 24، أشاد سفير إسبانيا لدينا، السيد خواكين بيريث بيانوبيا، بما يربط بلاده من علاقات متينة مع بلادنا، مؤكِّدًا حرص بلاده على تطوير تلك العلاقات وازدهارها مع بلد شقيق، حسب تعبيره (إن الأواصر التاريخية تمتد اليوم من خلال العلاقات السياسيَّة المتقاربة الوثيقة جدًا، والمقرونة بتناغم فائق بين العائلتين المالكتين وبين العاهلين، خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، وصاحب الجلالة الملك خوان كارلوس الأول لإسبانيا... أن المملكة العربيَّة السعوديَّة هي شريك مصيري مهم، يدعم مبادراتنا ورغبتنا الدائمة في الإسهام في حلِّ الأزمات العالقة في المنطقة، من خلال الحوار وخلق فرص للتعاون). مشيدًا بما حقّقته العلاقات التجاريَّة والتبادلات الاقتصاديَّة معنا بنسبة نموٍّ تجاوزت العشرين في المئة.

وتتوالى شهادات التقدير لبلادنا، والاعتراف بدورها، وشدّة الحرص على تجذر تلك العلاقات وتوطيدها معها، لثقة المجتمع الدولي في قيادتها ووضوح منهجها.

ففي كلمة له بمناسبة مرور ثمانين عامًا على العلاقات السعوديَّة - الإيطالية، في شهر أكتوبر من العام الماضي، نشرت في جريدة عكاظ، الأحد 23-12-1434هـ، الموافق 29-9-2013م، السنة الخامسة والخمسون، ص 24، بعنوان (مرور 80 عامًا على العلاقات الثنائية.. يجسِّد قوة الروابط بين البلدين) أكَّد سفير إيطاليا في الرياض، السيد ماريو بوفو، عمق تلك العلاقات وترابطها على جميع الأصعدة، مشيدًا بمكانة بلادنا وما تحظى به من استقرار وانسجام بين جميع مكوناتها (المملكة بلا شكَّ دولة عظيمة وذخر للمنطقة ككل، وتتميز باستقرارها منذ نشأتها، ولها ثقلها، وعلى الرغم من الاضطرابات العديدة التي حدثت في منطقة الشرق الأوسط، ليس فقط خلال فترة الربيع العربي، بل حدثت ظروف أخرى في المنطقة في الخمسينات والستينات الميلادية، لكن بقيت المملكة العربيَّة السعوديَّة في حالة استقرار تام، وما يبعث على التقدير ويثير الإعجاب، هو التقارب الكبير بين المجتمع السعودي، اجتماعيًّا وثقافيًّا وفكريًّا وعقديًا على الرغم من كبر مساحة الرقعة الجغرافية للمملكة، إلا أنها مترابطة ومستقرة على جميع النواحي الاقتصاديَّة والسياسيَّة والأمنيَّة والثقافية والاجتماعيَّة، وهذا ما يجعلها قابلة للتطوّر باستمرار وجاذبة للاستثمارات.. والعلاقات بين السعوديَّة وإيطاليا متينة وقوية وتتسم بالود والاحترام المتبادل منذ أن تأسست عام 1932م، قبل أكثر من ثمانية عقود).

وها هو سفير جمهورية الصين الشعبية، بقضها وقضيضها لدى المملكة، السيد لي تشينغ ون، يسجل في كلمته بمناسبة احتفال السفارة باليوم الوطني الرابع والستين لبلاده، التي نشرت بجريدة الرياض، الثلاثاء 25-11-1434هـ، الموافق غرة أكتوبر 2013م، العدد 16535، السنة الخمسون، ص 6، تقديره (العالي لقيادة المملكة وشعبها الصديق على اهتمامهم ومساهمتهم في تطوير العلاقات الصينية السعوديَّة)، معتزًا (بمستوى العلاقة القوية التي تربط الصين والمملكة)، واصفًا إيّاها بـ(علاقة إستراتيجية وشاملة بالخيرات المُتعدِّدة)، معترفًا بدورنا المهم في تلك الشراكة مع بلاده (السعوديَّة أكبر شريك تجاري للصين في غربي آسيا وإفريقيا خلال السنوات العشر الأخيرة، وهي أكبر دولة مصدرة للنفط للصين)، مثمنًا المساعدة (السخية من حكومة خادم الحرمين الشريفين للمنطقة المنكوبة الزلزالية في محافظة ونتشوان بمقاطعة سيتشوان عام 2008م) مشيدًا بمشاركة بلادنا في دورة الألعاب الأولمبية التي نظمت في بكين، منوهًا باختيارها ضيف شرف لمعرض بكين الدولي للكتاب في دورته العشرين، مؤكِّدًا أنها (أول دولة عربيَّة وإسلاميَّة تحظى بهذه الصفة). معربًا في آخر كلمته عن ثقته في نموِّ تلك العلاقات وازدهارها في كافة المجالات

تعاون إستراتيجي

ومن جانبه أكَّد سفير الهند بالرياض السيد حامد علي راو، التي وصلها سيدي سمو ولي العهد الأمين الأمير سلمان بن عبدالعزيز، مساء الأربعاء 26-4-1435هـ، الموافق 26-2-2014م، عمق علاقة بلاده معنا (علاقاتنا مع المملكة العربيَّة السعوديَّة تعود إلى عدَّة آلاف من السنين) مؤكِّدًا أن العلاقة بين بلدينا تجاوزت علاقة البائع والمشتري التقليدية، إلى شراكة إستراتيجية تسهم بدور فعَّال في أمن العالم واستقراره وتحقيق ازدهاره، تمامًا كما أكَّد رئيسها السيد براناب موخرجي ونائبه الدكتور محمد حامد أنصاري ورئيس الوزراء الدكتور مانموهان سينغ الذين التقاهم الأمير سلمان في نيودلهي في اليوم الثاني من زيارته، كما أكَّد المبدأ ذاته وزير خارجية الهند السّيد سلمان خورشيد في حواره المطول الذي نشرته جريدة الشرق الأوسط، الجمعة 28-2-2014م، العدد 12876، ص4. فوعدهم سلمان الوفاء - كعادته دائمًا - بالعمل على دفع علاقات البلدين قدمًا، نحو آفاق رحبة من التعاون المثمر لما فيه مصلحة الشعبين الصديقين. مؤكِّدًا أن مباحثاته معهم قد أثبتت متانة العلاقات ورسوخها.

أما السفير البريطاني لدى المملكة، السير جون جينكيز، فمن وجهة نظري المتواضعة، يُعدُّ أكثر السفراء المقيمين لدينا نشاطًا واهتمامًا بتطوير علاقات بلاده معنا، وهو يشترك في هذا مع السفير الأمريكي السابق، السيد جيمس سميث، إِذْ تخطت جهوده عمله الإداري داخل السفارة والعلاقات الرسمية مع الجهات الحكوميَّة، إلى زيارة مناطق بلادنا والتغلغل في نسيجها الاجتماعي والثقافي والحضاري، مصححًا بذلك كثيرًا من الأفكار الخاطئة عن بلادنا، كما تؤكِّد كلمته المعبِّرة بمناسبة زيارته إلى منطقة جازان، التي نشرت بجريدة الرياض، الخميس 15-1-1434هـ، الموافق 29-11-2012م، العدد 16229، السنة الخمسون، ص2، بعنوان (الكنز الجيزاني) مشيدًا بما حظي به من حفاوة وتكريم ووفادة رائعة، مؤكِّدًا أن (هناك الكثير من الصُّور النمطية في العالم الخارجي حول المملكة العربيَّة السعوديَّة، ومنها أن المملكة عبارة عن صحراء شاسعة، ذات درجات حرارة مرتفعة، مكتظة بالخيول العربيَّة، لكن الحقيقة هي أن المملكة تضم مجموعة واسعة من الناس والثقافات وكذلك التاريخ العريق، كما الحال في أيّ مكان من العالم... ولا يمكن لأيِّ شخص أن يتفهم المملكة العربيَّة السعوديَّة وما فيها من ثقافات وحضارة حتَّى يشاهد أكثر، ويذهب لأبعد من الأسواق المركزية والمكاتب الموجودة في الرياض أو جدة). بل ويذهب لأبعد من هذا، فيتحدث عن ديننا حديث الإنسان العارف، بكلِّ احترام وتقدير، مستدلاً بحديث لرسولنا الكريم صلَّى الله عليه وسلَّم، كما جاء في كلمته التي نشرت بجريدة الرياض، الخميس أيضًا 25-4-1434هـ، الموافق 7-3-2013م، العدد 16327، السنة الخمسون، ص3، بمناسبة مشاركة القوات المسلحة البريطانية بمسابقة الأمير سلطان الدوليَّة السابعة لحفظ القرآن الكريم للعسكريين، بصفتها أول بلد غير إسلامي مشارك (إن دين الإسلام دين يسر، يتسم بالمرونة)، مشيرًا إلى أن شعار الكلية البريطانية لتدريب الضباط (ساندهرست): (أخدم لتقود) يأتي في معنى حديث الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم: (خيركم خيركم لأهله).

وبالطبع، لم يكن لرجل دبلوماسي مخضرم مثل جينكيز، أن يهمل جانب العلاقات الراسخة بين البلدين على المستوى الرسمي والشخصي، إِذْ يؤكد في كلمة له نشرت بجريدة الرياض، الخميس 16-5-1434هـ، الموافق 28-3-2013م، العدد 16348، السنة الخمسون، ص2، بمناسبة زيارة ولي عهد بريطانيا الأمير تشارلز بلادنا، أن (الزيارات الملكية، وإن كانت رسمية في ظاهرها، إلا أنها غالبًا ما تكون لها جوانب شخصيَّة، نظرًا لما يتمتع به أفراد العائلتين الحاكمتين في المملكتين، من صداقات شخصيَّة تكوَّنت خلال أيام الدراسة).

وفي إشادته برؤية بلادنا وحنكتها السياسيَّة، يؤكِّد أن بلاده تولى اهتمامًا كبيرًا لنهج السعوديَّة، بل تحذو حذوها، كما أكَّد في كلمته عن العلاقات البريطانية - الإيرانية، التي نشرت بجريدة الرياض، الخميس 3-1-1435هـ، الموافق 7-11-2013م، العدد 16572، السنة الحادية والخمسون، ص5: (.... وعلى غرار المملكة العربيَّة السعوديَّة، فإننا نعتقد بأن استمرار العلاقات الدبلوماسية الرسمية، رغم ضعفها، يمثِّل قناة هامة للحوار الصريح. لهذا السبب أعلنا عن تعيين قائم بالأعمال غير مقيم) مضيفًا: (ويبقى هدفنا النهائي، كما هو بالنسبة للمملكة العربيَّة السعوديَّة، هو التَّوصُّل إلى اتفاق شامل مع إيران حول المسألة النووية وتطبيع العلاقات. لكن ذلك لن يكون قطعًا على حساب المملكة العربيَّة السعوديَّة أو حساب أصدقائنا وحلفائنا الآخرين في الخليج).

شهادة دامغة

وإذْ أزجي موفور الشكر لأولئك النفر من الدبلوماسيين الذين مثّلوا بلدانهم لدينا، وعاشوا بين ظهرانينا، ردحًا من الزمن، وشهدوا لبلادنا بما تضطلع به من دور مهم في اقتصاد العالم وسياسته وأمنه وسلامه ورخائه، ورعاية المسلمين ووحدة العرب، لا يفوتني أيْضًا أن أشيد بما بذلوه من جهد مقدر للانخراط في الحياة الاجتماعيَّة والوقوف عن كثب على طبيعة الشعب السعودي، وكرمه وشجاعته وصدق نيته وسلامة طويته، وقوة تلاحمه مع قيادته وتسابقه على الخيرات، وزيارة مختلف مناطق بلادنا، والاطِّلاع على تاريخنا وإرثنا المجيد، بل إن بعضهم تذوق باباي جازان ورمانها الشهي، واحتسى القهوة العربيَّة مع شيوخ القبائل في قمة جبل بفيفاء، ثمَّ توّجوا ذلك بزيارة تاريخية إلى الربع الخالي، الذي يُعدُّ قطعًا أكبر مسطح رملي في العالم، انطلقت من الرياض، في الرابع والعشرين من يناير عام 2013م، واستمرت ثمانية أيام، وقفوا خلالها على «الرديفة» و«الدهناء» و«حومة النقيان» و«أم القراطيس» و«أم الحديد» و«الرباضة» واستمتعوا بما شاهدوه من واحات وسبخات ومسطحات خضراء، وكثبان رملية، وليالٍ مقمرة صافية، وهدوء مهيب يلف المكان، وطبيعة ساحرة متنوعة، تؤكّد عظمة الخالق الواحد سبحانه وتعالى.

وصحيح أن ملوكًا وأمراء وسلاطين ورؤساء دول ووزراء كثر، زاروا بلادنا وتعاملوا معها، وعرفوا صدقها، وقدّروا مكانتها وأشادوا بفضلها، لكن تبقى شهادة هؤلاء أصدق حسًا وأعمق أثرًا، لأنهم عاشوا بيننا، ومن رأى ليس كمن سمع.

وبعد

تلك هي بلادنا الطيبة المباركة، وهذه هي قيادتها الصادقة المؤمنة الحكيمة، وهؤلاء أنتم شعبها الأصيل النبيل، أصبحنا اليوم كلّنا ملء سمع العالم وبصره، بعد أن كنّا في بداية عهد التأسيس على هامش الدنيا، ولم يكن العالم يَرَى فينا أكثر من بدو رحل، نفترش الصحراء ونلتحف السَّماء، ونحمل كل ما لدينا في الدنيا من ثروة ومتاع على ظهر بعيرنا. فانفض الناس من حولنا، وزهدت القوى العظمى حتَّى في استعمارنا - ولله الحمد والمنّة - لأنّها كانت ترى فينا عبئًا عليها.

وكلّكم تذكرون أن خزينة الدَّولة كانت مُجرَّد حقيبة، يحملها الوزير عبد الله السليمان مع المؤسس حيثما ذهب، ليصرف منها على شؤون المواطنين وتسيير أحوال الدولة، ولم تكن لدينا حتَّى عملة أو وحدة نقدية. وتخلى عنّا الإنجليز الذين منحهم المؤسس الملك عبد العزيز آل سعود، - طيَّب الله ثراه-، حق الامتياز للتنقيب عن النفط في بلادنا. ومع محاولات الملك عبد العزيز الدؤوبة وما منحهم إيَّاه من شروط ميسرة، إلا أنهّم لووا رؤوسهم، وحزموا أمتعتهم، وعادوا أدراجهم، مقتنعين أن جهدهم في التنقيب عن النفط في بلادنا، كجهد من ينفخ في قربة مثقوبة.

لكن الرجل المؤمن الصادق، عبد العزيز آل سعود، الواثق بنصر ربه الكريم الودود، لم ييأس، فاتجه صوب القوة الصاعدة، فلبى الأمريكيون النداء مسرعين، وفجر الله على يديهم ينابيع الأرض ذهبًا أسود شهيًا، ثمَّ انطلقت مسيرة الخير القاصدة، وكان ما كان.

وصحيح أن لبلادنا خاصية فريدة في العالم، كما ندرك كلّنا، ويردّد سيدي سمو ولي العهد سلمان الوفاء دائمًا، ليذكرنا بما علينا من واجب عظيم، ذلك هو تشريف الله سبحانه وتعالى لنا يوم جعل بيته العتيق ومسجد رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم عندنا، فأصبحت بلادنا قبلة للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، ولعمري ذلك شرف ما بعده شرف، ونعمة ما بعدها نعمة.

وثمة خاصية أخرى، أجد أنها أيضًا فريدة، وهي قطعًا نعمة عظيمة كذلك من نعم المولى علينا، إِذْ جعل فينا قيادة رشيدة واعية حكيمة، مؤمنة بربها، صادقة في نيتها ومخلصة في كلِّ توجهاتها، ترى في المسؤولية تكليفًا وليس تشريفًا، بسطت بيننا الأمن وحققت الاستقرار بتحكيم شرع الله وسنَّة نبيِّه، وإرساء قيم العدالة، لا بالحديد والنار، غايتها خيرنا وسعادتنا، وحفظ كرامتنا، وصيانة استغلالنا، وخدمة عقيدتنا وحماية مقدساتنا، وتعزيز وحدتنا وتلاحمنا؛ دون أن تنسى دورها في تحقيق الأمن والاستقرار في العالم وسعادة شعوبه. فأصبحت بلادنا بهذا قبلة العالم كلّّه، لما وجده فيها من صدق وخير، ومنهج سليم ورأي سديد.

ولهذا، سوف تظل بلادنا إلى الأبد إن شاء الله، في أمن وأمان، واستقرار واطمئنان، قبلة للمسلمين، ومقصدًا للعالمين، فحري بنا أن نتفانى في خدمتها بكلِّ جدٍ وإخلاصٍ، كما أكَّد سيدي سمو ولي العهد الأمير سلمان، في كلمته لأبنائنا المبتعثين في اليابان أثناء زيارته الأخيرة هذه إليها.. علّنا نرد لها بعض الذي علينا من فضل، بعد الله سبحانه وتعالى.

مقالات أخرى للكاتب