Sunday 16/03/2014 Issue 15144 الأحد 15 جمادى الأول 1435 العدد
16-03-2014

سوق النظم والإجراءات

حين تصدر التنظيمات والإجراءات الخدمية فإن الهدف الأساسي منها هو توفير الخدمة بضبط محكم يخدم الهدف الاستراتيجي الأعلى لمسار التنمية الوطنية، وحين يشار إلى ثغرات ينفذ منها أصحاب الأنفس الضعيفة فان ذلك لا يعد انتقاصا من الجهد المبذول للضبط بقدر ما يعين ويساعد في تقويته.

ومن الضروري جداً أن نتفق على أن القاعدة التي تبنى عليها هذه الأنظمة والإجراءات هي تحقيق المصالح العامة دون الإضرار بالمصالح الخاصة، والرشوة والتزوير والمتاجرة بضوابط هذه الأنظمة والإجراءات هي لاشك تضرب في صميم المصالح العامة والخاصة بالضرر، وهي أضرار سهلة الاختباء رشيقة في التسلق والقفز وناعمة في الشكل والمظهر، لكنها مثل السوس الذي ينخر في الجذور بهدوء وبطء وربما بآلام بسيطة قد لا تلفت الانتباه، الزمن وحده هنا هو من يشعر بنخر هذا السوس ويدرك مدى ضرره وأثره على تضاريس المكان، وأقصد بذلك انه عندما يصبح ضبط الأنظمة الإجرائية للخدمات العامة معيقا لتوفير هذه الخدمة أو تلك لمحتاجها فان البعض قد يلجأ لمبدأ الغاية تبرر الوسيلة، وهناك آخرون وبنفس المبدأ يسعون للاستفادة مادياً، فيصبح تجاوز الضبط ساعتها بمثابة الحافز أو البيئة المحفزة لخلق ما يمكن تسميته سوق سوداء لخدمة المصالح، وهذه السوق لا تهتم بالموازنة بين المصالح العامة والخاصة وإنما هدفها الأساسي تحقيق المصلحة الخاصة حتى لو أضرت بالمصلحة العامة، والخطورة لا تكمن هنا فحسب وإنما تتمدد لتنهك في القيم والمبادئ وخاصة الأمانة والإخلاص، لذا ورغم أن ضبط النظم والإجراءات الخدمية يصدر في الغالب بعمق وسعة في الرؤية والتصور وإحاطة شاملة بالاحتياجات والاحتمالات إلا أن ذلك لا يكفي، لا يكفي لان خدمة المصالح العامة والخاصة منظومة واسعة متعددة الأجزاء والمفاصل، وما لم يرقَ هذا الضبط ليحكم ويضبط المنظومة الخدمية بشكل كامل فان فرص نشاط هذا السوق الأسود تكون متوفرة وقابلة للتطور.

إن استخدام أداة النفي والاستهانة بالنقد البناء في وسائل الإعلام هو أيضا محفز ومشجع لنمو وتطور هذا السوق، كما أن التحجج بطلب الإثبات والأدلة من صاحب الرأي والناقد دون التحقق والتقصي الجاد من الجهة المسئولة هو أيضا داعم لنمو وتطور هذا السوق، دعوني أقول إن الكثير صار متاحاً للعرض والطلب في هذا السوق، ويمكن ملاحظة نمو وتطور هذا السوق من خلال متابعة أسعار التعقيب التي تصل في بعض الحالات لعشرات الآلاف من الريالات، كيف تدفع مثل هذه المبالغ في التعقيب على معاملة إجرائية بشكل نظامي ؟ استطيع فهم ارتفاع أجرة المحاماة والاستشارة والدراسة لكني لا استطيع فهم ارتفاع سعر التعقيب على معاملة، وإذا كانت حاجة المؤسسات والشركات لخدمات التعقيب مفهومة فلا يمكن فهم لجوء المواطن للمعقب إلا في احتمالين لا ثالث لهما، الأول: أن يكون غير قادر على متابعة إجراءات معاملته لانشغاله أو لأي عائق، الثاني: أن يكون غير قادر على تحقيق حاجته إلا بالقفز على هذه النظم والإجراءات، ولست هنا اعني الوجه السلبي للمعنى فقط وإنما علينا الاعتراف بأن بعض النظم والإجراءات معيقة ولا تستجيب للاحتمالات غير المتوقعة أو حاضرة في ذهن الضابط أو المقنن.

شاب طموح لم تتوفر له الوظيفة المناسبة فاتجه للنشاط التجاري، واستطاع أن يحقق نجاحا جيدا بجده ونشاطه حتى أصدرت وزارة العمل نظاما يتيح للوافدين نقل كفالتهم دون موافقة الكافل ليجد أن عمالته التي استثمر ماله وجهده في تدريبها قد تسربت منه واحدا تلو الآخر, إن مثل هذا النظام أصبح سلاحا بيد التجار الأقوى ضد الأضعف، فالعمالة الوافدة لم تتغرب من بلادها للتمتع بمناخ بلادنا وتضاريسها وما يتوفر فيها من مباهج وملذّات وإنما جاءت تبحث عن الريال والريال فقط، وبالتالي كيف يمكن وبهذا المفهوم أن نسمح بنقل الكفالة دون إذن الكافل ؟ الأمر جدا عجيب وغريب لكنه لا يتوقف عند هذا الحد بل يتجاوزه إلى مناخ النشاط التجاري لدينا وعلاقة بعضه ببعض وكيف يمتص القوي أسباب قوة الضعيف ليسقطه، وإذا جمعنا هذا بذاك وجدنا أن نظام السماح للوافد بنقل كفالته دون إذن كافله وبكل ما فيه من نوايا طيبة هو في الحقيقة كارثة، فقد أصبح بالإمكان اختيار العامل وعرض نقل الكفالة عليه، فإذا وافق تم تقديم طلب نقل كفالة وأنهيت الإجراءات من قبل موظف مستفيد، وليس للكفيل الأصلي أي حق للاعتراض بموجب النظام، صحيح أن النظام اشترط انتهاء إقامة العامل وتقاعس الكافل عن تجديدها لكن هذا يدخل ضمن الثغرات التي يستفاد منها في السوق الأسود، هذا النظام وبرغم انه جاء ليحد من الاستقدام وتوسع العمالة المهملة إلا انه أعطى حيوية وسعة لتنشيط سوق النظم والإجراءات الأسود.

والخلاصة أن كل نظام أو إجراء لا يستوعب حقيقة حاجة المستفيد ويسهل مهام وشروط الاستفادة منه هو من جانب آخر وسيلة لفتح منافذ وثغرات يستفاد منها في القفز عليها، وهي داعم ومحفز لنشاط سوق النظم والإجراءات الأسود، بمعنى انه ليس من الصواب أن تضبط وتحكم قسرا لتحد من فائدة مستحقه ولكن أن تضبط وتحكم تسهيلا لنيل المستفيد حقوقه، فالناس أمام حوائجهم المستحقة مضطرون أمام سوء تقديرك وتفهمك للالتفاف عليك.

Hassan-Alyemni@hotmail.com

Twitter: @HassanAlyemni

مقالات أخرى للكاتب