Monday 17/03/2014 Issue 15145 الأثنين 16 جمادى الأول 1435 العدد
17-03-2014

معرض الكتاب .. زال التوتر وبقي الترقب !!

لم تظهر الأصوات المعتادة لمقاطعة معرض الرياض الدولي للكتاب هذا العام، ربما بسبب الفشل الذريع لها، وربما بسبب صدور الأمر الملكي الكريم وبيان وزارة الداخلية اللذان يشملان مكافحة التطرف. أيضاً خلا المعرض من الحسبة المتعاونين المتشددين وزالت حالات التوتر السابقة.

حسب شهادة أحد رواد المعرض الدائمين وهو الناشط الثقافي محمد المحيسن فقد كان سلوك موظفي هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر محترماً، وقاموا بدور إرشادي دون تدخل في الكتب وبيعها. كما أن لجنة الرقابة مارست عملها بمهنية، ولم يحصل منع سوى حالات استثنائية وكانت منطقية، حسب قول المحيسن الذي يذكر أيضاً أن الإقبال الأكثر كان على شراء الرواية، وهذا طبيعي عالمياً، لكن لوحظ إقبال على شراء كتب الفلسفة، وتلك حالة جديدة! لوحظ أيضاً زيادة نسبة النساء، ومن الناحية العمرية زيادة نسبة الشباب على غير العادة لمعارض الكتاب.. تلك ملاحظات -إن صحَّت- تحتاج لوقفات تحليلية.

إنما الغريب الذي يحتاج تفسيراً أنه بالوقت الذي يتراجع فيه الإقبال على الكتاب عالمياً وتعاني المكتبات من عزوف الجمهور بسبب الإنترنت، وتحاول جذبه بشتى الطرق والإغراءات، نجد ضخامة هائلة في عدد الزوار لمعرض الرياض حتى أصبح ظاهرة اجتماعية؛ فقد بلغ العام قبل الماضي نحو مليوني زائر، وزاد بنحو 400 ألف زائر العام الماضي.. الأرقام الرسمية لهذه السنة لم تظهر حتى كتابة هذه السطور، إلا أنها تبدو أقل قليلاً من العام الماضي.

أكبر معرض دولي للكتاب بالعالم هو معرض فرانكفورت بلغ حوالي 280 ألف زائر عام 2013، فيما لا يتجاوز ربع هذا العدد بمعرض لندن ونيويورك! هذا منطقي لأن المعارض الدولية في أيّ قطاع تقام بالأساس لأصحاب صناعة هذا القطاع وليس للعموم. كذلك فإن المعرض الدولي للكتاب هو بالدرجة الأولى للمهتمين بسوق الكتاب من الناشرين والموزعين والمؤلفين وبقية المعنيين بصناعة الكتاب. الأصل أن المشتري العادي إذا أراد كتاباً فلديه المكتبة، لكن في العالم العربي أخذت معارض الكتاب طابعاً اجتماعياً مميزاً مثل معرض القاهرة والرياض.

وإذا كان زوار معرض الرياض يفوق بأضعاف أكبر المعارض الدولية فإنه ينخفض أضعافاً بالمجالات الأخرى، فقد ضم معرض الرياض الدولي للكتاب 900 دار نشر من 31 دولة، بينما ضم معرض فرانكفورت 7300 دار نشر من 115 دولة ومئات المؤلفين. وكانت صفقات هذا الأخير بالمليارات فيما تكاد تنعدم الصفقات الكبرى بمعرض الرياض باستثناء المبيعات التي بلغت نحو 40 مليون ريال العام قبل الماضي ونحو 72 مليون ريال العام الماضي.

نعود لمحاولة تفسير عدد الزوار الضخم بمعرض الرياض.. يبدو أن دعوات المقاطعة بالأعوام السابقة قامت بدور إعلاني مذهل في إحضار حالة معرض الكتاب بعقول الناس وإغراء مزيد من الجمهور للحضور لإشباع فضولهم.. يقول مدير المركز الإعلامي للمعرض أحمد الزهراني أن: «هناك كثير من الزوار حضر لإشباع فضوله للمعرض فقط ولم يشترِ شيئاً، بينما هناك زوار اشتروا بأكثر من ثلاثة آلاف ريال..»، نقلاً عن «العربية.نت».

الرياض تفتقر لمواقع الترفيه والمتعة رغم أن بلديتها تقوم بجهود حثيثة لإقامة نشاطات ومواقع ترفيه وتنزه، لكن لا تزال هذه المواقع قليلة مقارنة بالحجم الضخم لمدينة الرياض، إضافة لضعف النشاطات الشبابية الترفيهية والرياضية، وهذه قد تكون من أهم أسباب التوجه لمعرض الكتاب الذي صار أحد المتنفسات للتسلية وملء وقت الفراغ لدى كثيرين تعجبهم مطاعم المعرض وتجمعاته أكثر من كتبه!.

أضف إلى ذلك أن الكتاب السعودي يعيش حالة ازدهار مع ارتفاع سقف الحرية المتزامن مع الإنترنت الذي أوقد سخونة حراك ثقافي ساعد على الترويج للمعرض. ويمكن ملاحظة ازدهار الكتاب السعودي بالزيادة الكبيرة للكتب المؤلفة وتحسن نوعيتها. الإنترنت أجج الحراك الثقافي وخدم المثقف السعودي وساهم في تقديم إنتاجه، خاصة أن مستخدمي الإنترنت بالسعودية يعدون من الأعلى عالمياً بالنسبة لعدد السكان. هذا يعني زيادة نسبة القُراء السعوديين بدرجة كبيرة، «ومن يقرأ كثيراً تساوره الرغبة بالكتابة».

القراءة زادت لكن عبر الإنترنت، بينما قراءة الكتاب تقل تدريجياً على مستوى العالم. هذا أدى إلى أن طريقة القراءة عالمياً تغيرت مع انفجار المعلومات وتدفقها بانهمار متواصل إنترنتيا.. أصبحت القراءة سريعة وأقل تركيزاً ومختصرة على جزء من الموضوع، وأكثر ميلاً للخبر الخاطف والصور ورؤوس الأقلام والتعليقات السريعة.. المعلومات صارت أكثر لكن التعمق صار أقل.

ضخامة ارتياد معرض الكتاب بالرياض لا يعني ضخامة شراء الكتب، وشراء الكتب لا يعني قراءتها. لم تظهر استبيانات محلية عن نسبة من يقرأ الكتب المشتراة إلا أن الملاحظات الفردية تؤكد أن النسبة الأكبر لا يقرؤون الكتب التي اشتروها حتى في أوساط المثقفين. الاستبيانات بأمريكا التي تنتج تقريباً ثلاثة أرباع الكتب بالعالم تشير إلى أن الغالبية لا يقرؤون الكتب التي اشتروها.. وأن غالبية من قرؤوا (82%) لا يتجاوزون الصفحات الأولى.. كل ذلك نتيجة الإغراق في سيل المعلومات الإنترنتية والالتهاء بمواقع التواصل الاجتماعي وسوء استخدام الوقت مع زحمة الحياة وضغوطها..

أما الكتاب الإلكتروني فإن آخر إحصاءات منظمة بيو الأمريكية تشير إلى أن مبيعاته تتزايد. فقد زاد قراءه من 16% عام 2011 إلى 23% عام 2012، إلى 28% عام 2013، من مجمل القراء في أمريكا (وهم الذين قرؤوا كتاباً فأكثر خلال عام). هذه الزيادة تأتي على حساب قراءة الكتاب الورقي الذي ينخفض تدريجياً. طبعاً، حتى الآن لا يزال الكتاب المطبوع يشكل الشعبية الأكبر بأمريكا لكنه يتناقص.

لذا فإن بداية ازدهار الكتاب السعودي على المدى القصير ينبغي أن لا تنسينا الحالة التي قد يكون عليها في المدى المقبل، إذ من المتوقع أن يتعرض للانخفاض كما هو الحاصل على المستوى العالمي، فمبيعات الكتب الوريقة عالمياً تتناقص لدرجة من المحتمل أن تندثر مستقبلاً باستثناء الرواية.. وإذا كانت المرحلة الحالية تتفوق فيها العوامل المساعدة على ازدهار الكتاب السعودي فثمة عوامل معاكسة من المحتم حصولها ولابد من التعامل معها بطريقة مناسبة.. وإذا كان معرض كتاب هذه السنة ناجحاً وزالت حالة التوتر الملازمة له فقد بقيت حالة الترقب لمستقبل الكتاب ورقياً كان أو إلكترونياًَ.

alhebib@yahoo.com

مقالات أخرى للكاتب