Monday 17/03/2014 Issue 15145 الأثنين 16 جمادى الأول 1435 العدد
17-03-2014

الإنسان .. وعقل الذبابة

قرأتُ أن الدماغ البشري يتشارك في الكثير من الخصائص مع أدمغة الفئران والذباب. ربما يفسر لنا ذلك أموراً كثيرة لا نود ـ نحن البشر ـ أن نعترف بها. ولكن ليس هذا هو المهم وليس هو موضوع هذا المقال وإنما المهم أن نتأمل كيف دفعت هذه الحقيقة العلمية عالماً إلى الاستقالة من عمله الأكاديمي الكبير في جامعة هارفارد وقبول عمل آخر في معهد مغمور لكي يجري أبحاثاً مستفيضة على عقل الذبابة الذي يشبه عقل الإنسان في بعض الجوانب على أمل أن يخرج باستنتاجات مفيدة للبشرية!

تصوروا لو أن طالباً سعودياً من طلبتنا المبتعثين إلى الولايات المتحدة عاد إلينا بعد سنوات البعثة يحمل درجة الدكتوراه في «عقل الذبابة»!! أجزم أن هناك من سوف يتسرع ويطلق العنان للسانه وقلمه ساخراً من «دكتوراه آخر زمان» ويقارن هذه الدكتوراه مع دكتوراه «أيام الطيبين» مثل دكتوراه طه حسين أو دكتوراه زكي مبارك الذي حصل على ثلاث درجات دكتوراه في الأدب واللغة وليس دكتوراه واحدة فقط!

قبل سنوات هبّت عبر الصحافة العربية عاصفة شديدة من النقد الساخر والهجائيات المريرة بسبب حصول أحد الطلاب العرب على درجة الدكتوراه التي كان موضوعها «الفول». لا أتذكر الآن التفاصيل، ولكن ما أتذكره هو أن كاتبي معظم المقالات التي قرأتها كانوا يسخرون من تلك الدكتوراه ويتفجعون على الهيبة الضائعة للعلم والعلماء بعد أن صار «الفول والطعمية» موضوعاً للدكتوراه.

ما كان ينقص تلك المقالات هو غياب الإدراك لأهمية الأمن الغذائي لبلد مثل مصر بملايينه التي تتزايد بشكل مخيف والتي تعتمد في غذائها على الفول والمحاصيل الزراعية الأخرى المشابهة!! لو استطاع ذلك الباحث استنبات سلالات جديدة من الفول ذات كفاءة إنتاجية عظمى بحيث ينتج الفدان الواحد أضعاف ما كان ينتجه سابقاً فإن ذلك سيكون اختراقاً علمياً هائلاً وسوف يحقق لمصر الكثير من الفوائد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية!

هل يجب أن تكون الدكتوراه عبارة عن تحقيق مخطوطة قديمة أو دراسة عن قصائد شاعر من العصر الأموي أو العباسي لكي تكون دكتوراه بـ «حق وحقيق»!؟

لقد تذكرت كل ذلك حينما قرأت عن العالم الأمريكي الذي ترك وظيفته الأكاديمية المهمة في جامعة هارفارد التي تحتل الترتيب الأول بين جامعات العالم (وفق معظم التصنيفات) لكي يدرس عقل الذبابة في معهد مغمور!!

لقد انبثقت النهضة الأوروبية في القرون السابقة في اللحظة التي اكتشف القوم أن العلوم التجربيبة هي السبيل للنهوض، فانهمكوا في إجراء تجاربهم في المعامل والمختبرات وخرجوا لنا بهذه المنتجات الحضارية التي ننعم بها من وسائل اتصالات ومواصلات وأدوية وغيرها من المنتجات التي لا غنى عنها الآن لأي مجتمع في العالم.

لا يهم أن يكون الموضوع هو عقل الذبابة أو عقل الفئران أو عقل الإنسان، وإنما المهم أن نخرج من دراسة الموضوع بما يفيد البشرية ويعلي من شأن الإنسان وكرامته.

alhumaidak@gmail.com

ص.ب 105727 - رمز بريدي 11656 - الرياض **** alawajh@ تويتر

مقالات أخرى للكاتب