Friday 21/03/2014 Issue 15149 الجمعة 20 جمادى الأول 1435 العدد
21-03-2014

«948»

أوقفني عند بوابة قاعة المؤتمرات في جامعة حائل عقب نهاية فاعلية ملتقى الأمن العام الثالث «الجودة..برؤية أمنية» الأربعاء 26-4-1435هـ، أوقفني بأدب جمّ واحترام متناهٍ أحد الإخوة المسئولين في الإدارة العامة لمكافحة المخدرات في المنطقة، ملقياً عليّ التحية والسلام، معرفاً بنفسه ومتحدثاً بعد ذلك بحرقة وألم عمّا يراه كلَّ يوم ويمر عليه في كل حين من حوادث وقضايا موجعة ومحزنة ومفجعة وقودها شباب المنطقة وصغارها، وهي نار تلظي على أهليهم وذويهم وربما زوجاتهم وأبنائهم الصغار -لا سمح الله، قال لي بالحرف الواحد: «..أنا لست من أبناء المنطقة ولكنني أتشرف بالعمل فيها وأخدم وطني في أي منطقة من مناطقه الغالية، أتألم كثيراً حين أرى هذه الجوهرة الرائعة تضيع من بين أيدينا في لمح البصر.. أشاهد شاباً في أفضل سنوات عمره يُذهب عقله ويفقد لذة حياته الحقيقية بتناول المخدرات وشرب المسكرات.. نحن في عملنا ليس لدينا في الأصل إلا العقاب، صورة الشاب وقد تسربل بالحديد ووالده يبكي أمامي، وأمه تصرخ وتولول وتصيح لا تفارق مخيلتي ولا تكاد ترحل عن ذاكراتي مهما حاولت.. أنتم في الجامعة عليكم مسئولية عظيمة إزاء أبناء هذا الجزء من الوطن الحبيب.. أين أنتم أيها الأكاديميون التربويون.. أنتم من يُفترض فيهم أن يقودوا حركة الإصلاح، ويوجهوا بوصلة الوقاية، ويرسموا سبل النجاح والتفوق والفلاح أمام أبناء الجيل».

أخجلني من نفسي، وهزّ في داخلي مشاعر الخوف من قادم الأيام حين ذكر أن المخدرات تنتشر بشكل سريع وغريب بين أبناء الوطن عموماً وهذه المنطقة مثلها مثل غيرها في هذا.. ومن باب الاستشهاد والتدليل على ما سبق من قول، أردف بقوله: «...تصور يا دكتور كم مروج تم القبض عليه خلال العام المنصرم؟»، ولم يمهلني طويلاً إذ صعقني بقوله: «هل تتوقع أن في متوسط كل 700م2 تم القبض على مروج وليس متعاطي، هذا ما تمكن رجال مكافحة المخدرات التوصل إليه وإلقاء القبض عليه، فما بالك بمن لم يتم التعرف عليه حتى هذه الساعة. إننا بحاجة لتعاونكم، ومساعدتكم لنحمى وطننا ونقي أولادنا فلذات أكبادنا ويلات هذه الحرب الضروس». قلت له «أبشر، ولك عليَّ أن أجتهد في متابعة الأمر مع إدارة الجامعة وسيكون بيننا تواصل فعلي عن قريب». وسرعان ما جاء التعقيب على هذا الوعد المفتوح: «...أتمنى ألا يطول الوقت ففي كل يوم ضحايا، وهم ثروة الوطن الغالية، وعلى عواتقنا تقع مسئولية حمايتهم ممن يتربصون بهم ليل نهار وأنتم صامتون».

ودعته وأنا معه أفكر فيما قال، وكنت أظن أنه بالغ بعض الشيء في تخوفه وشواهده التي ساقها.

طرحت ما كان بيننا على طلابي، وأعدت عليهم السؤال نفسه.. وكنت أتوقع أن أسمع قولاً مختلفاً أو على الأقل أهون مما قال لي.. ولكن المفاجأة والفاجعة والمصيبة أن هؤلاء الشباب حين ذكرت لهم الرقم الذي سمعت، تقالوا جميعاً بلا استثناء عدد المروجين الذين تم القبض عليهم، وذكر بعضهم أن هذه المخدرات بأنواعها صارت في متناول الجميع في الاستراحات والسيارات والمقاهي والمنتجعات، وانتشرت بين الطلاب في المدارس والجامعات بشكل رهيب وبطريقة غريبة حتى صار متعاطيها لا يخجل من تناولها أمام من يجالسهم، وربما سعى المروج إلى محاولة تسويقها على الشباب الذين لا تربطهم به رابطة بطريقة علانية بلا خوف أو وجل أو حتى خجل، ولا يمكن لأحد أن ينصحه أو يعترض عليه أو يبلغ عنه لأنه يخاف أن يُوقع به ما يكره ويلحقه الأذى بصورة أو أخرى.

أكد كل ما سبق، وبين عمق المشكلة، وعظم المأساة ما صرح به المتحدث الأمني بوزارة الداخلية مطلع هذا الأسبوع من أن رجال الأمن في مكافحة جرائم تهريب وترويج المخدرات تمكنوا بعون الله وتوفيقه خلال الأشهر الأربعة الماضية من عام 1435هـ من إلقاء القبض على 948 متهماً منهم 278 سعودياً و571 من 31 جنسية مختلفة، تورطوا في ترويج وتهريب مخدرات بأكثر من مليارين و93 مليون ريال!!؟

أرقام خطيرة، وفي تفاصيل البيان ما يؤكد وبشكل قاطع عظم الأمر، وحقيقة وجود حرب شرسة موجهة نحو هذا الوطن وتستهدف أغلى ثرواته وصلب قوامه «الشباب» وربما تجاوزهم سيل المخدرات إلى الفتيات لا سمح الله.

واجبنا.. مسئوليتنا «الأب أولاً.. والمعلم المربي ثانياً.. والخطيب المصلح ثالثاً.. والصديق الناصح رابعاً.. والإعلامي البارع خامساً، والمواطن الصادق أياً كان ومن أي الطبقة هو سادساً وسابعاً وثامناً» ..واجب كل واحد منا أن يعي ويدرك حجم المشكلة وشمولها واتساع دائرتها وعظم خطرها، ثم يرعى ويهتم بتربية من تحت يده «فكلكم راعٍ وكل مسئول عن رعيته.. فالرجل راعٍ في أهل بيته ومسئول عن رعيته»، ولنكن عوناً لرجال الأمن، ولنقي أنفسنا وأبناءنا وطلابنا هذا الداء الفتاك، ولنكثر من الدعاء بصلاح النية والذرية، ولا ننسى الدعاء لجنودنا البواسل الذين هم درع الوطن وحماة المواطن، وعلى الجامعات والمدارس أن تقوم بدورها التثقيفي والوقائي، والأمل أن تنتشر مستشفيات الأمل في كل مناطق المملكة من أجل العلاج. حفظ الله العباد والبلاد ووقانا شر من به شر.. وإلى لقاء والسلام.

مقالات أخرى للكاتب