Thursday 27/03/2014 Issue 15155 الخميس 26 جمادى الأول 1435 العدد
27-03-2014

كشف الغمام عن أبحاث أبوال الجمال

تناولت في المقال السابق أن المسلمين الأوائل برعوا في القرون الأولى في وضع آليات إنسانية للتحقق من ثبوت النقل، واستخدموا معايير للحقيقة القطعية في نقل الأخبار، وهو نقل متواتر، أي جمع عن جمع يستحيل تواطؤهم، والمقصود أن يكون رواة الخبر، في كل طبقة قد بلغوا عدداً لا يعقل معه اتفاقهم على الكذب أو التدليس، بينما الخبر الآحاد المصدر يظل تحت ظنية الثبوت إذا لم يثبت تواتر نقله الصحيح، ويُستفاد منه في الظن والاستحسان، لكن المتغير أن الدوغمائية الجديدة أدخلت الظني في القطعي، فتداخلت الحقائق مع الظنون، وفسد العقل، وتاهت الحقيقة النقلية، وأصبح المسلمون، الذين يؤمنون شرعاً بأن بول الحيوانات والإنسان نجس يستوجب الطهارة، يشربون بول الإبل.

كذلك هو الحال في الأبحاث العلمية سواء الطبية أو غيرها من العلوم التجريبية، وهو أن البحث العلمي الواحد يظل خبراً آحاداً ما لم تتواتر نتائجه من مصادر متعددة ومختلفة، والسبب أن المرجعيات العلمية تعتمد على منهجية كتابة البحث العلمي، وليس على التحقق من كيفية إجرائه في الواقع، وذلك لاستحالة ذلك التحقق، ومن أجل أن يصل إلى مرحلة تجعله أقرب للحقيقة لابد من استخدامه أولاً في دراسات محكمة على فئران مصابة بالسرطان قبل الإنسان.

لهذا السبب لا يفترض أن نتعامل مع بحث مختبري آحاد عن بول الإبل على أنه حقيقة قطعية، ثم استغلال التوظيف الديني والعاطفة الدينية للترويج التجاري عن بحث ما زال في مرحلة الخبر الآحاد، ويؤدي مثل هذا الترويج إلى فساد العقول في المجتمع، وإلى غلبة الانتهازية والتعصب على الموضوعية والمنهجية، كما أن هذه الأبحاث لم تكن خاصة ببول الإبل، وهذا ما سأذكره في بقية المقال.

في هذا السياق يعد التوظيف الأيديولوجي في البحوث العلمية أمراً غير محمود في الأوساط العلمية، ويُؤدي هذا الأسلوب إلى إخراجها من مجرد بحث علمي آحاد إلى حقيقة قطعية مزيفة لا تقبل التشكيك بين العامة، كما أن التوظيف الديني للعلم أمر مستجد على المسلمين، فالأوائل حاولوا قدر الإمكان معالجة اختلاف أو توافق الحقائق العلمية مع الدين بمناهج علمية في محيط النخبة، كما فعل ابن رشد في كتابه الشهير فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال، لكن الانتكاسة حدثت بعد أفول الحضارة العربية الإسلامية، وفي خروج المنهج الدوغمائي، الذي يخاطب الناس بأسلوب قطعي، على طريقة «من قال غير ذلك فقد كفر».

كذلك لابد من التنويه بأن العلاج بالبول لم يكن أمراً خاصاً بالمسلمين وأخبارهم، ويمكن إرجاعه إلى 5000 سنة، وإلى الحضارات القديمة مثل الأزتيك، قدماء المصريين، الصينيين القدماء، والهنود الحمر، كما ذُكر في الإنجيل أن يشرب المرء بوله، ويعتقد البعض أن أصل هذه الممارسة تأتي من طقوس دينية معينة بين الهندوس، حيث يطلق عليه في تلك التقاليد الدينية amaroli، ويشار إليها باسم البول «رشاحة البلازما»، ودعاة urotherapy أو العلاج بالبول يدعون إلى أن يشرب الإنسان بوله لعلاج السرطان، والعديد من الأمراض والاضطرابات الأخرى، وذلك لاعتقادهم أن بول الإنسان المصاب بالسرطان أكثر فعالية من بول غير المصاب.

كان الهنود أول من نشر أبحاثاً مخبرية عن بول الحيوانات كمضاد للسرطان، وتشير حسب ما نُشر في عام 2009 إلى أن بول البقر فعّال ضد السرطانات والأمراض البكتيرية والطفيليات والسل، وسبقت أبحاثهم البحث السعودي عن بول الإبل المنشور في عام 2012، وفي عام 1970 نشر باحث مصري بحثاً عن فعالية بول الإنسان والماشية والحمار في علاج أحد أنواع الطفيليات، ووجد أن بول الإنسان الأكثر فعالية، بينما كان بول الحمار أقلها فعالية، كما ظهرت مقالات علمية من أنصار الطب البديل كان آخرها في عام 1997، تروج أن بول الإنسان يحتوي مضادات سرطانية، كما يوجد مئات الأبحاث عن عشرات النباتات التي يوجد فيها خصائص مقاومة للخلايا السرطانية من مختلف الثقافات.

كذلك أظهرت أبحاث عديدة مكونات البول سواء بول الإنسان أو الحيوانات، مثل اليوريا، والهرمونات، والإنزيمات، وقد تم فصل العديد من هذه المكونات المعزولة وتسويقها على سبيل المثال، ومنها يوروكيناز (وهو الإنزيم الذي يشجع على تفكك الخثرات الدموية)، ولم يكن ذلك سبقاً علمياً خاصاً ببول الإبل في بحث جامعة الملك سعود المنشور في نوفمبر 2010، كما ذكر الدكتور المعيدي في رده الأسبوع الماضي، وكان أول من اكتشف مادة اليوروكايناز الباحث العلمي الدكتور مكفارلين في عام 1947 من بول الإنسان، وما حدث من توظيف ديني لبحث في جامعة الملك سعود عن اكتشاف إنزيم اليوروكايناز في بول الإبل مخجل، ويدل أننا أمة ضعيفة علمياً، وفقيرة وعياً، وتئن تحت ذهنية الجهل.

الخلاصة في قضية العلاج بالبول، سواء بول الإنسان أو الإبل أو البقر وغيرها، ما تم نشره على موقع الجمعية الأمريكية للسرطان، وينص على أنه «لا توجد دراسات محكمة وقطعية تثبت فعالية العلاج بالبول لأمراض السرطان»، لذلك أتمنى أن يتوقف الدعاة والعلماء المؤدلجون عن تزييف الوعي العام من أجل مكاسب شخصية بحتة، فالبلاد تمر بوباء سببه تلك العلاقة الحميمية مع الإبل، التي وصلت إلى شرب فضلاتها، والعيش في أعطانها، والدين الإسلامي لم يأتِ مبشراً بالحقائق العلمية، لكن جاء لتصحيح الجهل والتطرف والعبادات المنحرفة.

ولو كان الأمر كذلك لنزلت أسرار الطبيعة والكون في كتاب على المسلمين، ولوصل المسلمون إلى صناعة المحرك والصواريخ العابرة للقارات وتقنية النانو، والصعود إلى القمر والقنبلة الذرية وزراعة الأعضاء واكتشاف الجينوم والاستنساخ قبل الملاحدة الغربيين، ويا أمة ضحكت من جهلها الأمم.

مقالات أخرى للكاتب