Saturday 29/03/2014 Issue 15157 السبت 28 جمادى الأول 1435 العدد
29-03-2014

كيفية الاستثمار في التعليم من أجل النمو الاقتصادي

الاهتمام بالاستثمار في التعليم لم ينقطع يوماً من الأيام ولكن زاد الاهتمام به بعد الأزمة المالية التي ضربت العالم عام 2008، وأبدى السياسيون المزيد من الاهتمام خصوصاً بالتعليم العالي، لكن أحياناً تسيطر التصورات الخاطئة على التعليم مما يُؤدي إلى تقويض السياسات الاجتماعية والأخلاقية.

فالاقتصاديون الذين درسوا العلاقة ما بين التعليم والنمو الاقتصادي، يؤكدون بأن عدد الشهادات الجامعية ليس بأهمية كيفية تمكن الطلاب من تطوير مهارات معرفية مثل التفكير النقدي والقدرة على المجازفة وحل مشكلاتهم التي تعترضهم، لذلك فإن صنّاع السياسة يتساءلون عن مدى تحقيق الأهداف الثلاثة - الجودة، الكمية، التكلفة - بشكل متزامن سوف يكون أمراً صعباً مما يزيد من احتمالية تدني المستوى ويمكن ضبط وقياس عدد الخريجين والتحكم في التكلفة ولكن يصعب قياس جودة التعليم.

فمثلاً، تتبنى الدول التعليم العالي للجميع على غرار التعليم العام، فتفاجأ الدول بتخرج أعداد كبيرة تفوق حاجة سوق العمل وتفشل في تحقيق الفوائد الاقتصادية الأخرى التي تقود إلى نمو اقتصادي مرتفع ومستدام أو مستقر لذلك يتجهون نحو تبني تعليم عالٍ نخبوي من أجل تحقيق فوائد اقتصادية عالية تقود لنمو اقتصادي عالٍ، كما أن التصور الخاطئ لصنّاع السياسة اعتقادهم بأن الفائدة الوحيدة المرجوة من مخرجات التعليم العالي رغم أهميتها هي ايجاد وظيفة تنتمي للطبقة الوسطى للحفاظ على رفاهية المجتمع وعدم دخول المجتمع في أزمات اقتصادية وعادة ما تقاس الدول اقتصادياً بالحفاظ عل الطبقة الوسطى وزيادتها لأنها القادرة على المساهمة في النمو الاقتصادي والحفاظ على رفاهية المجتمع.

ويؤكد الباحثون أن في العلاقة ما بين التعليم والنمو الاقتصادي اعتبار أن التعليم الجامعي للجميع له فوائد إضافية يجهلها أو يتجاهلها صنّاع السياسة كتربية الأطفال تربية سليمة والمحافظة على الصحة والبعد عن ارتكاب الجرائم تُعتبر اضافات مهمة للاقتصاد الاجتماعي.

وينتقد مثل هؤلاء الباحثين كلمات الساسة ويعتبرون أنهم يروجون لأفكار خاطئة مثل تصريح كلينتون عام 1994 في خطاب حالة الاتحاد، قال: نحن نقيس أداء كل مدرسة بمقياس مرتفع واحد وهو: هل أطفالنا يتعلمون ما يحتاجون إلى تعلمه من أجل المنافسة والفوز في اقتصاد عالمي؟.. ونفس الخطاب كرره بوش الابن والآن أوباما أي أن أهداف السياسة التعليمية كانت محصورة في خدمة الاقتصاد فقط وتجاهل الفوائد الاجتماعية الأخرى في المجتمع.

لذلك نجد أن بريطانيا سارت في نفس النهج ونقلت مسؤولية الجامعات البريطانية منذ سنة 1992 من دائرة التعليم والعلوم إلى دائرة التعليم والتوظيف، وفي سنة 2009 بعد الأزمة المالية نقلت مسؤولية الجامعات البريطانية إلى دائرة الأعمال التجارية والابتكار والمهارات.

كل هذه السياسات تدور في مفهوم تقليص التعليم العالي تماشياً مع النمو الاقتصادي وتماشياً مع تقليل التكلفة والحصول على جودة عالية للتعليم تخدم فقط النمو الاقتصادي ولكن يخسر المجتمع فوائد اجتماعية مهمة تعود على المجتمع، ويُعتبر هذا التحول تحولاً مادياً، واعتبر التعليم وسيلة للوظائف والأموال بعيداً عن تقوية الشخصية الأخلاقية والاجتماعية.

فالمنافسة بين دول العالم لم تكن إلا فقط على الجوانب التقنية والمادية والمهارات، فلم يكن هناك أي اهتمام بجوانب إصلاح الجوانب الاجتماعية، فمثلاً الولايات المتحدة يرجع الاقتصاديون إلى أن الاقتصاد الأمريكي لم ينم عضوياً بقدر نموه من الناحية التقنية عبر تطور الخدمات ورفع سقف الإنفاق على البحث العلمي وأن أمريكا تشهد نمواً بطيئاً ولكنه إيجابي مدعوم بالتطور العلمي ونسيت أمريكا الجانب الخلقي والاجتماعي ويمكن أن تخرج من أزمتها الاقتصادية ولكنها قد تدخل في أزمات اجتماعية مستقبلاً إذا لم تتنبه لهذا القصور في التفكير وفي التصور وتقليص الفجوة بين هذا التعارض ما بين الباحثين الاقتصاديين الذين درسوا العلاقة ما بين التعليم والنمو الاقتصادي وما بين آراء صنّاع السياسة.

Dr_mahboob1@hotmail.com

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة

مقالات أخرى للكاتب