Saturday 29/03/2014 Issue 15157 السبت 28 جمادى الأول 1435 العدد
29-03-2014

استنساخ خطب الجمعة في الزمن المتغير

أتشجع فأكتب مرة أخرى عن تدني مستوى الخطب التي يلقيها بعض خطباء الجمعة وذلك بعد أن قامت مؤخراً الجهة المسؤولة، وهي وزارة الشؤون الإسلامية، بتنبيه خطباء المساجد إلى ضرورة الاهتمام بالخطبة لكي تؤدي دورها المطلوب في المجتمع.

هذا الموضوع ليس جديداً، وقد يكون هو حديث المجالس وخصوصاً ظهر كل يوم جمعة بعد أن ينصرف المصلون من الجوامع ويبدؤون في تبادل الزيارات في البيوت وفي الاستراحات التي تجمع الجيران والأصدقاء والأقارب.

فغالباً ما تكون خطبة الجمعة أحد المحاور التي تدور حولها الأحاديث والنقاشات، وهناك ما يشبه الإجماع بأن بعض تلك الخطب لا ترتقي إلى المستوى المطلوب لمعالجة قضايا المجتمع، وحتى عندما تتطرق إلى قضايا المجتمع تأتي معالجاتها أحادية النظرة وبعيدة عن الواقع الاجتماعي وربما تدفع إلى الإحباط واليأس لأنها تنفر ولا تبشر وتعسر ولا تيسر.

تلك الخطب ربما تكون صالحة لزمن غير الزمن الذي نعيش فيه، فهي تتناول القضايا الاجتماعية الراهنة المعقدة بأسلوب تبسيطي يفتقر إلى العمق وبنصائح لا أظن الخطيب نفسه شديد الاقتناع بها وقد لا يستطيع أن يُلْزم بها أهل بيته فضلاً عن إقناع الآخرين بها!

إن بعض تلك الخطب توحي بأن الخطيب لا يعيش زمانه، وأنه منعزل عن العالم وعن مجتمعه! بعض الخطباء غارقٌ في كتبه وفي عالمه «الكمالي» في بيئة متماثلة ومنسجمة من الأصدقاء الذين تجمعهم النظرة الواحدة المبسطة تجاه قضايا المجتمع، لكن المجتمع -أي مجتمع- لا يمكن أن يكون بـ»الكمالية» التي يدور حولها هؤلاء النفر ولا يمكن أن تبقى قضاياه جامدة عند نقطة معينة أو رؤية محددة. وقد فطن فقهاؤنا الأقدمون إلى ذلك واجتهدوا في معالجة قضايا أزمنتهم وجاءوا بحلول مبتكرة تناسب أزمنتهم لا أزمنة آبائهم وأجدادهم.

من الغريب أن بعض خطباء الجوامع عندنا وفي أماكن كثيرة من العالم الإسلامي ما زالوا يستنسخون خطب الجمعة التي كانت تُلقى قبل مئات السنين ويَسْتَلُّونها من بطون الكتب القديمة ثم يلقونها على مسامع المصلين الذين يعيشون في زمنٍ تغيرت فيه كل الظروف التي كانت قائمة حين كُتِبَتْ تلك الخطب في الأزمنة الغابرة.

لقد أصبح بوسع المسلم المعاصر أن يصل من خلال التلفزيون والمذياع ووسائل الاتصال الحديثة إلى أي محفل فكري أو ديني ويستمع إلى ما يُلقى فيه وصار بوسعه أيضا أن يقرأ الكتب المتنوعة ويقتنيها ويعود إليها متى شاء بعد أن انتشر التعليم وزالت أميَّة الحرف، وبالتالي لم تعد خطبة الجمعة هي المصدر الرئيسي للتثقيف الديني والاجتماعي كما كانت في السابق، لكن خطبة الجمعة تظل بالنسبة للمسلم جزءاً من الطقس التعبدي الجليل الذي لا يجوز الانشغال عنه حتى بـ «مس الحصى»، وهذا يتطلب أن يجتهد خطباء المساجد في جعل الخطبة هادفة ومشوقة وقريبة من مشاكل الناس ومن قلوبهم، وألا يهدروا هذه الفرصة الكبيرة وتحويل الجمعة إلى ما يشبه الممارسة الآلية وتفريغها من مضمونها الروحي والاجتماعي.

alhumaidak@gmail.com

ص.ب 105727 - رمز بريدي 11656 - الرياض **** alawajh@ تويتر

مقالات أخرى للكاتب