Thursday 03/04/2014 Issue 15162 الخميس 03 جمادى الآخرة 1435 العدد
03-04-2014

في مجمع اللغة..

** للمكانِ عبقريتُه؛ وربما لم يأتِ من بحث الموضوع بعمقٍ وتفصيلٍ كما صنع أستاذُ الجغرافيين المعاصرين الدكتور جمال حمدان الذي اعتزل حين دافع عن المكان ورحل عندما شقي به وبقينا بعده كما كنا قبله لا يعني أكثرنا فيه غيرُ مقامه ومنامه وبلغنا زمنًا صار المكانُ فيه موطئَ نخاسةٍ يُثري فيه أقوامٌ ويُداسُ أقوامٌ ويُلغَى التأريخُ كي تطأه عربةٌ ويطويَه متجر.

** لم يرعْ «حمدان» ما راعنا «ويروعُنا» من إلغاء الهُوية المكانية فقد أخلص لما رآه حقًا مناضلًا عن رمزية الاسم مُوقفًا مشروعاته البحثيةَ على تأصيلِ العبقرية الغائبة عن المكان الذي يحكي ويتنفسُ ويلدُ ويُربي ويخلقُ منظوراتٍ متحركةً بالبشر لا أكوامًا مبعثرةً من الحجر.

** هواجسُ امتدت طويلًا وقت استدعت ذاكرتُه كبار الكبار الذين مروا عبر شارع «عزيز أباظة» في الزمالك وتوقفوا عند المبنى «الخامس عشر» منه وارتقوا درجات سلمه واقتعدوا حيث استيقظ الزمن العروبي لينافح عن عبقرية اللسان، وتأمل الوجوهَ وتفحص الملامحَ وأيقن أن الزمان لم يعد الزمان والإنسان ليس هو الإنسان فليبقَ المكان شاهدًا يَروي ويُروي، ومن الوهم أن نظنَّ أنه لم يتبدل.

** بين افتتاحه الرسمي (كانون الثاني عام 1934م) وشهودِنا جلستَه الثمانين (24 آذار 2014م) تبدل الإنسان والزمان وبقي المكان ثابتًا بين متغيرين حكت عنهما صورُ المجمعيين الموشومةُ نقشًا على صدر مدخله وعنوانًا لأبرز داخليه ومداخليه الذين لم يعبأوا بتشويهٍ طال أسماءَهم ووسومَهم وما زال فينا من يتندر بالطرف المؤذية عنهم حول تعريب «الشاطر والمشطور وما بينهما كامخ» و»عرعور العراعير» التي استغلها بعض الناقدين والناقمين، ويبدو أن الافتراء قدرُ التميز يلغو به من كبتْ إمكاناتُه ووجد رصيفًا يقتلع أحجاره راميًا البرآءَ متوهمًا أنه يصنع خبرًا ليغدوَ من الكبراء، وأنى لمن طاول الأهرامَ غيرُ أذى يديه وقذى فِيه وعينيه.

** لم يتجاور المكانُ مع الإمكان فعُمقُ المعنى لم توازه سعةُ المبنى ولا وفرة المال؛ ما أفرز ضعفَ حالٍ وقلق مآل، ومن يطلع على نشرتهم الدورية (مجمعيات) يدرك كيف يصحو الفقرُ ويُصوِّح القفر ونوشك أن نظنَّ أن مدرسة ثانويةً تستطيع تقديم الأفضل.

** لن نجادل في انفصالِ المجمع عن الواقع الثقافي والتقنيِّ وسيره الوئيد وعزلته الاختيارية وتقدمِ السن بمعظم أعضائه وقصور إعلامه، ولعل المجمعيين يفكرون في نهجٍ مختلف؛ فالثمانون أحوجت الفرد إلى ترجمان وتُحوج المؤسسة إلى إعادة هيكلةٍ واستعادة عنوان.

** في الحفل جاء صوت «فاروق شوشة» إيماءً إلى «اللغة الجميلة» التي افتقدناها وإلى جيلِ الإذاعيين العظام الذين غابوا فخلَف من بعدهم خلفٌ اغتالوا اللغة وشوَّهوا الجمال.

** قيل لنا إن المجمع قد ينتقل إلى مبنىً حديث وهذه حاجة؛ فليت المبنى الحاليَّ يبقى مُتحفًا يقصُّ مسيرة الخالدين.

** المكانُ وثيقةُ الزمان.

ibrturkia@gmail.com

t :@abohtoon

مقالات أخرى للكاتب