Tuesday 08/04/2014 Issue 15167 الثلاثاء 08 جمادى الآخرة 1435 العدد
08-04-2014

الشراكة بين وزارتي الصحة والمالية

كثيرًا ما تنشأ القصص على الشائعات فتتحوّل مع مرور الوقت إلى حقائق لا يمكن نقضها. قد تشيطن العامَّة الملائكة؛ وقد تلبس شياطين الإنس رداء الطُهر والنزاهة؛ وبين هذا وذاك يلعب الإعلام دورًا حاسمًا في صناعة الانطباع العام؛ أو تغييره؛ أو التأثير فيه.

يحدث هذا على المستوى الشخصي والعام؛ وفي جميع التخصصات؛ فمن مادح مفرط؛ ومن قادح مُسرف؛ وبين هذا وذاك يضيع صوت الحق الذي يفترض أن يكون معبِّرًا عن الواقع المعيش؛ لا الخيال المتُواتر.

باتت وزارة الماليَّة الشماعة التي تُعلّق عليها أخطاء التنمية؛ دون أن نسمع من وزيرها صوتًا مدافعًا عن قناعات وزارته وآلية عملها؛ أو تفنيدًا يمكن أن يوقف المتجاوزين عن استغلال اسم «المالية» لتبرير الفشل في إدارة مشروعات التنمية. «المالية» كباقي وزارات الدَّوْلة تُخطئ وتُصيب؛ إلا أنها مختلفة في خطها الإعلامي المتحفظ الذي يبعدها عن وسائل الإعلام المحليَّة. قد يكون لحساسية عملياتها الماليَّة سببٌ مباشرٌ في تقنين ظهور منسوبيها؛ إلا أن قنوات التواصل الحديث لم تترك زاوية معتمة إلا وأضاءتها بنور الحقيقة الساطعة؛ أو انعكاسات الشائعة المشوّهة.

ظهور معالي وزير الماليَّة الإعلامي؛ أشبه بظهور شعراء الحوليات؛ فبالرغم من اهتمامي بشؤون الاقتصاد؛ أعجز عن تذكر اسم المتحدث الإعلامي لوزارة المالية؛ قد يكون السبب (جهلي وعدم متابعتي)؛ إلا أنني مُتيقنٌ من أن الظهور الإعلامي المتكرّر يضمن حفر اسم المتحدث الرسمي في عقول عامة الناس قبل المهتمين بشؤون المال والاقتصاد.

كثيرًا ما نسمع عن رفض وزارة الماليَّة تخصيص أموال لمشروعات خدميَّة؛ أو تدخلها في تقليص المخصصات؛ أو رفض المشروعات؛ إضافة إلى تحميلها مسؤولية فشل إدارة المشروعات؛ ورداءة مخرجاتها؛ دون أن نجد من «المالية» صوتًا مفندًا؛ إلا ما ندر؛ وكأنها تؤكِّد بصمتها ما يُشاع حولها.

ما رأيته من مشروعات وزارة الصحة في منطقة الجوف أمرٌ يخالف في مضامينه الماليَّة والتنفيذية ما سبق؛ فالمستشفى التخصصي لم يكن كذلك حين البدء في تنفيذه؛ وكذلك المستشفى العام والمدينة الطّبية. تدخل الدكتور عبد الله الربيعة؛ وزير الصحة؛ لرفع جودة تلك المشروعات الصحية؛ وتوسعة طاقتها الاستيعابية بشكل كبير؛ وتأمين الأجهزة الحديثة والمتخصصة لجميع الأقسام والتخصصات؛ ما ترتب عليه تضاعف تكلفتها الماليَّة أو ربَّما زاد عن ذلك. كيف نجحت وزارة الصحة في دفع «المالية» إلى الإنفاق بسخاء؛ بخلاف ما تتهم به الوزارة من تقتير وعدم تفهم لاحتياجات التنمية.

استمعت إلى تفنيد مصدر مختص بشؤون الماليَّة؛ وهو يُفند السبب بقوله: «تحوّلت علاقة وزارة الماليَّة مع الصحة؛ من علاقة تمويلية محاسبية صرفة؛ إلى شراكة حقيقية تجعل «المالية» أكثر إطلاعًا على المنتج ومدخلاته ومخرجاته؛ وهو أمر يساعد في تفهم الاحتياجات الحقيقية للمشروع؛ وتوسعته وإن كان في طور التنفيذ. قُلت: وما الذي يمنع أن يطبِّق هذا مع الوزارات الأخرى؟. أجاب: «أن الشراكة تسمح بالتداخلات والنقاش وطرح البدائل والتَّوجيه كفريق عمل مشترك تختفي فيه المستويات؛ والمناصب والتحفظات البيروقراطية أمام الرغبة في تحقيق هدف الإنجاز؛ والتنمية؛ وهذا أمرٌ قد لا تقبل به الوزارات الأخرى التي تصرّ على العمل باستقلالية تامة».

ويؤكد (المصدر) على أن «الماليَّة لديها حجم إنفاق سنوي لا يمكن تجاوزه؛ وهي تحاول قدر المستطاع تلبية طلبات الوزارات الأخرى ضمن حدود صلاحياتها؛ لذا تظهر أهمية الأولويات في ترتيب المشروعات؛ وللأسف الشديد بعض الوزارات لا تتمكن من ترتيب مشروعاتها بحسب الأولوية؛ والأهمية؛ إضافة إلى الأخطاء التي تعتري آلية عرض المشروعات وتكلفتها ما يتسبب في عدم إقرار بعضها.

ومع ذلك؛ والحديث له؛ تحصل الوزارات بشكل دوري على مخصصات المشروعات المُقرة دون تأخير. شراكة الصحة والماليَّة نجحت في تحويل مشروعات «الصحة» المحدودة في الجوف؛ إلى مدينة طبية ومستشفيات ومراكز متخصصة ستخدم المنطقة وما حولها من مناطق قريبة. شراكة الماليَّة والصحة نجحت في تخصيص ميزانية لإدارة المشروع وإزاحة هم الإشراف والمتابعة عن كاهل الوزارة؛ ووضعه في أيدي شركات عالميَّة متخصصة قادرة على ضمان جودة العمل؛ وإنجازه في الوقت المحدَّد. ونجحت أيْضًا في جلب الشركات العالميَّة النوعية المختصة في قطاع الإنشاءات؛ وهو ما نحتاجه في جميع مشروعاتنا التنموية.

أجزم بأن شراكة الماليَّة والصحة يمكن استنساخها مع الوزارات الأخرى فيتحوّل العمل الإنعزالي إلى عمل مشترك تُديره فرق العمل الكفؤة. تحوَّل الحكومة إلى فريق عمل تنموي قد يزيل جميع المعوقات الحالية؛ ويحقِّق كفاءة الإنفاق؛ ويبعد عنا أعذار الفشل.

f.albuainain@hotmail.com

مقالات أخرى للكاتب