Wednesday 09/04/2014 Issue 15168 الاربعاء 09 جمادى الآخرة 1435 العدد
09-04-2014

بعضنا يرمي حكمته في لهيب الغطرسة!

بعضنا يرمي حكمته في لهيب الغطرسة، يبحث عن عشبته الصَّغيرة اليانعة في مجاري السيول الكبيرة، يحاول ترقية نفسه بتنهيدة فراشة، يبحث عن قرميد ولآلئ وبلور وكريستال وماء ووردة حمراء، لكنه لا يطيل النظر عاليًا، ولا يرمق الأفق البعيد الذي تتزاحم فيه الأنجم،

لليل عنده بروق معفرة بالوجل وبالرماد، عبثًا يحاول زرع البذور، وبعناد العناد يمنح نفسه هبة لنار الأعاصير القادمة برقصة غير بارعة وغير ذات معنى، ليس له شمس دافئة ولا فصول تلمع بنور الأماني، يحاول أن يضاجع السحابة، لكنه لا يقوى على الحراك الجميل، يستميت في أن ينحت اسمه ويركل إلى الخلود في شهوة محيّرة، يتعرى من لحاء نقيضه وجراره المليئة بالفجيعة وبالنعاس، لرغباته الجائعة تلوث، يحاول بعجز نسف الأمكنة، له مسرحيات هزيلة وإشكاليات بائنة وقصص محزنة وروايات لها لون السواد، لا يحاول أن يصحو من سباته الطويل، حتَّى تداهمه النهايات الخطيرة، أبوابه موصدة ولها انزواءات مثل عنكبوت ينسج أحلامًا كبيرة قد تشل أيامه الآتية، يتحرك بأصوات ملوثة تشبه صوت ريح عاتية، لكنها بلا رشقة ولا حذّر، بعضنا يحتفل بسقم، ويحلم بفاكهة رمان وماء عذب ونيزك بهي، مفتاح الحلول بين يديه، لكنه لا يحدق بحدة، في عيونه غبش وبعض ماء، لا يقيس المسافات بدقة متناهية، يضع نفسه أمام النوافذ الكبيرة لتصفعه الرِّياح العاتية بقوة وبلا هوادة، التمييز يصعب عنده بين الرغبات الجامحة والأحلام المنفية، لا شيء يزعجه غير تلك الأصوات التي تديم زخم القلق على هياكله الزجاجية الراقدة في الحدائق الخلفية العتيقة، جسده ينز بالكثير من العرق والخوف، شتلة الورود التي غرسها قبل سنوات لم تمَّت لكنها شاخت، لأن أرضها طفحت بالملوحة حتَّى صارت بلا خصوبة، لديه المحراث الذي يقلب الأرض، لكنه لم يتأمَّل يومًا خيوط البخار الصاعد من الأخاديد الداكنة المنتفخة مثل جرح عتيق، أبخرة الرغبة المودعة في جوفه لها رائحة غير نقية لأن الهواء الناقل لها بغيض، فشلت كل محاولاته في إنتاج التفاح والورد وأعواد القصب، وأخذ يزرع براعم صغيرة في أول الربيع سرعان ما يدهمها الشحوب في الشِّتاء، يأتيها الجليد ببطء حتَّى يتمكن منها فتصبح مُجرَّد عيدان رقيقة مغروسة في أرض بوار، له سوداوية ومرارة وتآكل وخراب ووجع وهذيان وهروب ويَتمُّ وانكفاء ونكوص وفداحة خسارات وغزارة تناقضات وفوضى وتفريط ومكائد وفجيعة وإيهام للذات وحماقات وإهدار قدرات وكسل ممنهج، له احتفاء متقارب بالموت وتراتيل النهايات، له جرح هائل يمتد حاضنًا دم يأسه، كل شيء لديه غامض ومضبضب وكلام يشبه أجترار الحكايا، له تربة وماء وهواء، لكنه مازال رهينة للخوف والشك وعدم اليقين حتَّى تهمش وتكسر، نجومه التي كسرت ثلمة اللَّيل منته شيئًا غامضًا، صباحاته شاخت حتَّى ماتت من حوله زهور الياسمين وأشجار النخيل، مثل الأعمى يتلمس طريقه في الظلام المخيف، أنشودة العودة صهرت الصدى في وديان أمانيه، لأن الفراغات التي عاشها ملأت جيوبه فزعًا، حتَّى أصبح مثل الفانوس، لكن بلا زجاجة، خطواته متعثرة، وطرقاته متعرجة، وظله غير مستقر، وأحلامه مائلة، ووجه لا يليق بالمطر، قطرات الندى تدغدغ زجاج نوافذه المكسور، ثمَّ تنساب بهمس عازفة سيمفونية الشِّتاء الثقيل، ضحكاته تهددها الليالي بوحشة، أصابع لياليه المكفهره تنساب في الأركان وفي الزوايا بلا استئذان، بينما تنساب أشعة فانوسه الشاحب على وجه العتيق، له عقل، لكنه يخون نفسه، هكذا بعضنا يبدو، المحزن إلا أحد من هذا - البعض - يفكر بغرس شتلة ورد نقي، بقدر ما هم منشغلون بزراعة أشياء أخرى رمادية وغامضة يصعب تخيلها أو تصورها، إن ثمة أشياء مخيفة أكاد أحسها في - بعضنا -، وهو التناسل الكبير في ممارسة العبث والركض نحو متاهات العدم.

ramadanalanezi@hotmail.com

ramadanjready @

مقالات أخرى للكاتب