Wednesday 09/04/2014 Issue 15168 الاربعاء 09 جمادى الآخرة 1435 العدد
09-04-2014

مسؤولية القضاء والقدر.. أم هو التخلف؟

كمثال فقط، لماذا تؤدي نفس الكميات من الأمطار في بلدان العالم المتخلف علميا ً إلى نتائج كارثية، لكنها في بلدان العالم المتقدم تمر دون أن يحس بها أحد. في أي كفة نضع القضاء والقدر، وفي أي أخرى نضع الفساد واهتراء البنية التحتية وتعطيل العقول بالاستسلام الاتكالي للظروف دون تحديد المسؤوليات. أين يكمن الفرق النوعي، أعتقد أن الإجابة واضحة.

قبل أيام تواجدت طفلة أمريكية مع أهلها في رحلة بحرية على يخت خاص في عرض المحيط. أصيبت الطفلة بوعكة صحية تهدد حياتها في تلك المتاهة الشاسعة من المياه، بعيداً عن إمكانيات الطب الحديث، وخصوصا إمكانيات الإخلاء الاحترافي السريع إلى أقرب مؤسسة طبية حديثة.

أرسلت العائلة استغاثة لاسلكية، والرسالة القادمة من أصقاع المحيط وصلت إلى من تهمه صحة المواطنين في بلد الطفلة، وهؤلاء تصرفوا بما تمليه عليهم المسؤوليات الوطنية والقانونية والإنسانية. السلطات الصحية لا تملك إمكانيات التدخل الطبي سوى على اليابسة وما يحيط بها من الحدود الإقليمية لبلادها، ولذلك اتصلت بالسلطات العسكرية الأمريكية طالبة منها التدخل لإنقاذ الطفلة، لأنها الوحيدة التي تملك القدرات اللازمة.

السلطات العسكرية بدورها قامت بالواجب، وأرسلت طائرة من إحدى قواعدها العائمة في أعالي البحار، والطائرة أنزلت إلى اليخت أربعة رجال مدربين، مرتبطين بإحكام إلى طائرة الإنقاذ، ومعهم قفص طبي لنقل الطفلة إلى الطائرة، وهكذا تمت استعادة الرجال الأربعة ومعهم الطفلة إلى طائرة الإخلاء.

خلال فترة وجيزة كانت الطفلة الأمريكية تتلقى العلاج اللازم في المستشفى. تم إنقاذ الطفلة بعد أن كان يتهددها الموت وسط أمواج المحيط وانتهت القصة.

هذا هو الوجه المضيء لمفهوم التعامل مع القضاء والقدر، أي التعامل بالعلم، والتسلح ليس بالدعاء فقط وإنما بما يستطيع العقل البشري تقديمه بالإضافة إلى الدعاء الصالح.

نفس مجريات الأمور يمكن أن تحدث لطفل ياباني أو كوري جنوبي أو أوروبي أو أسترالي أو إسرائيلي، وربما أيضا ً لطفل صيني يتعرض لمرض مفاجئ في مكان بعيد عن مراكز الطب الحديث.

الجامع المشترك لهذه المجتمعات يتلخص في أنها تدمج الدعاء مع استخدام العقل ليساهم بامكانياته الإبداعية في التعامل مع مفاجآت القضاء والقدر.

يبقى الوجه الآخر، الوجه الاستسلامي المحايد، المكتفي بالقبول على أن ذلك من أعلى درجات الإيمان، بينما هو ليس كذلك. أعلى درجات الإيمان بالقضاء والقدر تتطلب (بالتكليف الإلهي) أن يتم الدمج بين التصرف بالملكات العقلية إلى أقصى الحدود مع القبول بقضاء الله وقدره إلى أقصى الحدود، وليس ثمة مفاصلة بين الموقفين.

العبث بالحياة البشرية بطريقة الاستسلام القدري هو السائد للأسف في المجتمعات التي تدعي كمال الإيمان بالقضاء والقدر دون الاستفادة من الإنجازات العقلية إلا في حدود الاستيراد وتبضع المنجزات العلمية من الخارج.

لا نحتاج لإيضاح الفرق النوعي أن نتعرض إلى احتمالات وفيات الأطفال على أرصفة الشوارع في بلدان العالم الثالث الفقيرة لأسباب تافهة حسب المفاهيم الطبية. يكفي أن ننظر في احتمالات الوفاة أو الإنقاذ في إحدى الطرق الرئيسية في واحدة من مدننا الكبيرة، ولنقل في طريق خريص على سبيل المثال.

الموضوع لا يحتاج إلى عرض إحصائي لإشكاليات وصول الإسعاف إلى مكان الحادث والإخلاء الاحترافي وضياع الوقت وسط الزحمة لعدم وجود المسارات الخاصة لكل أنواع التدخل السريع، ثم جاهزية الطواقم الطبية بعد وصول المصاب إلى المستشفى.

هل هناك تداخل بين الاكتفاء بالاستسلام للقضاء والقدر وبين إهمال التعامل العلمي المسؤول مع المفاجآت ؟. أقول بكل ارتياح نعم، لأنني أسمع يوميا ً في مجالس العزاء ما يدل على ذلك.

الغريب هو أن هذا الانفصام بين الإيمان والعلم لا يمنع من صدور الصحف في بلدان العالم الثالث كل صباح تحمل خبرا ً بالبنط العريض عن نجاح عملية استئصال ورم ليفي يزن عدة كيلوجرامات من بطن مريض في إحدى المستشفيات المحلية، والاحتفاء بذلك كإنجاز علمي باهر. أين يكمن الفرق النوعي ؟.

- الرياض

مقالات أخرى للكاتب