Sunday 13/04/2014 Issue 15172 الأحد 13 جمادى الآخرة 1435 العدد
13-04-2014

هل الصلح مع جماعة الإخوان ممكن؟

لا أعتقد أن أولئك الذين يطلبون منّا أن نتصالح مع جماعة الإخوان قد قرؤوا تاريخ جماعة الإخوان في المملكة، ومواقف المملكة التاريخية معهم جيدًا. فالجهل وعدم القراءة قد يكونان عذرًا لهؤلاء؛ أما من قرأ هذا التاريخ قراءة عميقة ومتفحصة وواعية، وتجاوز كل هذه الحقائق، ومازال يطلب منّا التصالح معهم، فهو حتمًا لا يعرف ثوابت المملكة ومنهجها في سياساتها: الصبر، والأناة، وربما التحمل والغفران، ولكن إذا كان ذلك سيُؤدِّي إلى التفريط بأمن الوطن واستقراره، عندها تصبح المواجهة بقوة وحزم هو الموقف الذي لا نقبل له بديلاً مهما كانت التبعات.

لقد وقفت المملكة مع جماعة الإخوان موقفًا تاريخيًّا معروفًا ومشهورًا عندما لجؤوا إلى بلادنا هربًا من عبدالناصر؛ حينها آويناهم وناصرناهم، بل وجنسنا بعض كوادرهم وأبنائهم بالجنسية السعوديَّة، وأدخلناهم إلى مؤسساتنا التعليميَّة معلمين ومُنظِّرين وكذلك إلى منشآتنا الدعوية دعاة ومبشرين، وبدلاً من أن يُقابلوا الحسنة بحسنة مثلها، استغلوا هذه الثقة، وهذا التكريم، وهذه الضيافة، و(أدلجوا) شبابنا في حواضن التَّعليم بجميع مراحله، وعاثوا فسادًا بعقلياتهم، بل وبانتمائهم إلى أوطانهم، ثمَّ في أول فرصة لاحت لهم عندما غزا صدام الكويت، وتربّص ببلادنا، نسوا كل هذا، وانقلبوا علينا، وقلبوا لنا، بل ولوجودنا ظهر المجنِّ، واصطفوا مع (صدام)، ومع البعث، في ذات الخندق في مواجهتنا، ليصبح من أنقذناهم من حبال المشانق ومن غياهب السجون بالأمس، هم من يسعون إلى إلغائنا من الوجود اليوم. وهذا تاريخ معروف ومُسجل لا يستطيعون إنكاره.

ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحدِّ فحسب، وإنما أَمروا (يرقاتهم) السعوديين التي زرعها أساطينهم في تربتنا الوطنيَّة على حين غفلة منَّا للأسف، ليتخلوا عن وطنهم، ويُحاربوا أهلهم وذويهم، ويصطفوا مع صدام ومع بقية دول الضد عمليًا، ويعارضون (باسم الإسلام) الاستعانة بالقوات الأجنبية، بالرغم من أن كبار العلماء آنذاك قد أفتوا بجواز الاستعانة بالقوات الأجنبية، غير أن (يرقاتهم) أصرّت على أن مرجعها ليس كتاب الله وسنَّة رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم وما انعقد عليه إجماع كبار علمائنا في التعامل مع النوازل، وإنما أساطين تنظيم (جماعة الإخوان) في مصر؛ وهم أساسًا ما زُرعوا في أرضنا إلا لتحيّن الفرص لإسقاط الدولة، وإقامة دولتهم التي سمّوها في أدبياتهم زورًا وبهتانًا (دولة الخلافة) لتقوم على أنقاض وطننا القائم.

أعرف أن هناك أصواتًا في مصر الآن بدأت تتعالى تطلب الصلح مع هذه الجماعة، وإدخالها وإدخال أحزابها إلى العملية السياسيَّة المصريَّة، وأن هناك ضغوطًا داخليَّة وخارجية على الحكومة المصريَّة تسير في هذا الاتجاه، إلا أن الذي يجب أن تعيه حكومة مصر قبل الآخرين، أننا نحن السعوديين أصبحنا وهذه الجماعة على طرفي نقيض، خصوصًا أنَّهم بعد سقوطهم الأخير، أظهروا ما كانوا في السابق يتبرؤون منه؛ فقد ظهر جليًّا الآن أنهَّم والإرهابيون صنوان، أو بلغة أدق: وجهان لعملة واحدة؛ فهذه العمليات الإرهابيَّة والقتل والانفجارات والسيَّارات المفخخة والإخلال بالأمن التي تكتنف مصر بعد سقوط حكومة الإخوان، هم من يدبروها، ويمولوها، وتعمل لتحقيق مصالحهم؛ فلسان حالهم بالمختصر المفيد يقول: (إما أن نعود إلى السلطة أو الإرهاب)، وقد صرح بها (علنًا) أحد أقطابهم عندما كانوا (معتصمين) في مسجد رابعة.. وعندما يُذعن المصريون لهم، فهم عمليًا يُذعنون للإرهاب، ويعلنون هزيمتهم أمام عملياته؛ ولك أن تتصوّر شكل الحكومة المصريَّة الحالية وكذلك المستقبلية، ومصداقيتها، وصورتها أمام شعبها، بل وصورة كل من وقف معها وساندها ودعمها ودعم مواقفها، فيما لو أذعنت لشروط الإرهاب والإرهابيين، وعادت عن قراراتها، وأدخلت هذه الجماعات الإرهابيَّة إلى العملية السياسيَّة المشروعة في مصر!

إن العالم اليوم وهو يتابع عمليات جماعة الإخوان الدموية في مصر أصبح على يقين أن هذه الجماعة هي بالفعل جماعة إرهابية، وعندما تُبدي مصر أيّ تراجع ولو قليلاً -لا سمح الله- عن مواقفها فهي تتراجع عن مواجهة الإرهاب؛ ولست في حاجة لأبيّن تبعات وخطورة أن نُذعن للإرهاب ليس على مصر فحسب وإنما على استقرار وأمن المنطقة، بل والعالم من أقصاه إلى أقصاه.

إلى اللقاء..

مقالات أخرى للكاتب