Monday 14/04/2014 Issue 15173 الأثنين 14 جمادى الآخرة 1435 العدد
14-04-2014

خالد الفيصل رجل المهمات الصعبة! (2/1)

- اطلعت على الكتاب الجديد لصاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، وزير التربية والتعليم، بعنوان (من الكعبة وإليها .. بناء الإنسان وتنمية المكان)، وضع بين دفتيه، عبر ما يزيد على ثلاثمائة صفحة (من القطع الكبير)، وصفاً رائعاً ودقيقاً لتجربته التنموية في منطقة مكة المكرمة، خلال ست سنوات من عهده المشحون بالوعد والإنجاز، بدْءاً من عام (1428هـ) وانتهاءاً بمطلع عام (1435هـ).

* * *

- تذكرت في الحال كتاباً آخر لسموه حفظه الله بعنوان (مسافة التنمية وشاهد عيان) صدر قبيل نهاية ولايته حاكماً لمنطقة عسير، استمرت نحو أربعة عقود تقريباً، بدْءاً من عام (1391هـ) حتى عام (1428هـ)، وقد رصد سموه في ذلك السفْر الأنيق وقائعَ تجربته التنموية في منطقة عسير، منذ حل بها في مطلع التسعينات هجرياً، وكانت تعيش حالة من (عُذرية) الماضي، صحةً وتعليماً وطرقاً وبنيةً تحتيةً وتنمية اجتماعية وغير ذلك .

* * *

- وقد لخص سموه تلك النقلة التنموية الشامخة في عسير حيث قال: (ففوق هذه الجبال الشامخة وبين وديانها الوارفة، وتحت سمائها الماطرة، أعطيت عسير زهرة شبابي فأعطتني أجمل أيام عمري(*)) !

(*) من مقدمة كتاب (من الكعبة وإليها : بناء الإنسان وتنمية المكان) ص (13)

- هكذا وصف خالد الفيصل عسيراً وهو يودّعها بحنين يغمره اليقين بعد مشوار دام نحو سبعة وثلاثين عاماً بين جبالها ووديانها ومزارعها المنتثرة في أحضان الشعاب وسفوح الجبال، وكان وداعاً مثيراً بين الأمير وحبيبته عسير، صاغه بريشة الأديب وعقل المفكر وقريحة الشاعر ليصنع من كل ذلك لوحة رائعة تشدّ الألباب ! وبين هذا وذاك، طرح المؤلف بإيجاز صورة دقيقة ومعبّرة لمعاناة التنمية في عسير حتى اقتربت من هام التفوق على المصاعب.

* * *

- أما الكتاب الجديد لسموه فقد وصف محتواه بكلمات أنيقة قائلاً : (هذه ليست سيرة ذاتية ولا تقريراً، أنها تجربة إنسانية .. إدارية .. تنموية .. لم أسع إليها .. ولم أتهرّب من مسئوليتها، فصارت)!!

- وهو (بانوراما) مفصّلة لمعاناة من نوع آخر، تتمحور حول كيفية الارتقاء بمنطقة مكة المكرمة إلى ذُرَى الحلم الجميل الذي تختزنه رؤيته الروحية والوجدانية لحاضنة بيت الله الحرام، وامتداداتها غرباً وشرقاً وشمالاً وجنوباً.

هنا، ساور سموه السؤال : من أين نبدأ ؟ وهداه نقاء الإيمان وبهاء الخيال إلى أن الكعبة المشرفة هي نقطة الانطلاق في مشواره الجديد .. وكذلك كان !

* * *

- والحديث عن رجل في قامة سمو الأمير خالد الفيصل، هيبةً وموهبةً وخيالاً ـ يعشق التنميةَ ويعرفُ كيف يفكّ (شفراتِها) المغلقة ـ أقول أن حديثاً كهذا ليس بالأمر الهيّن على ذي علم أو قلم، فهو بشخصه وتكوينه، عقلاً وفكراً ووجداناً (معادلة صعبة) اجتمعت على ضفافها كوكبة من الخصال التي يتكون منها الفرقُ بين الشيءِ وضدّه، هكذا كان خالد الفيصل يوم تولى مهمة رعاية الشباب في النصف الأول من ربيع شبابه طاقةً متعطشةً للإنجاز، آنذاك، رغم الإمكانات اليسيرة المتاحة، مالياً وإدارياً، فكان أن نجح في التأسيس لأول دورة خليجية لكرة القدم، وتنعقد الدورة بنجاح، وتصبح تقليداً رياضياً خليجياً حتى يومنا هذا !

* * *

- ولذا، فإن الكتابةَ عن أيَّ منجز حقَّقه هذا الرجل، قديماً كان أو حديثاً، تصبح مهمة أدبية عسيرة، لأنها تحاول رصد (ملحمة) تنموية معقدة، مثلما تم في عسير بدءاً وفي منطقة مكة المكرمة لاحقاً، يتقاسمُها الذهن والإبداعُ والمواهب والقدرات، تبدأُ بالرجل نفسه صانع التجربة، وتنتشر إشعاعياًً في كل الاتجاهات لتستقطب المشاركين في صُنْعها وتحويلها من حلم إلى حقيقة !

* * *

- إنني لا أغلو إذا قلت أنني عانيتُ من (رهبة) ساورتني وأنا اُعدّ لهذا الحديث، مصدرُها هيبة الرجل الذي استطاع عبر أكثر من زمان ومكان أن يفك شفرة العلاقة بين الإنسان والمكان، فيصنع منهما نسيجاً واعداً بالإنجاز .

- هنا، يراود خاطري سؤال له أكثر من دلالة :

- كيف أرى خالد الفيصل ؟!

- أراه نبتةَ خُزامَي اكتست من عطر صحرائها عطراً يسكن ذاكرة شرائحَ عديدةٍ من البشر الذين عرفُوه فألفُوه فأحبُّوه، فهو الأديب المبدع شعراً ونثراً، وهو الإداري الحازم الملهم، وهو المفكر المجدّد والمتجدد، وهو المتحدث البليغ، وهو بعد هذا وذاك، إنسان يملك رصيداً من صفات الخُلق الرفيع، وتسكن وجدانَه سماتُ (السهل الممتنع)، تآلف في طبعه (سمو الإمارة) و (عذوبة الإنسان) وتجسد ذلك كله في تعامله مع الحياة والأحياء !

ـ يتبع ـ

مقالات أخرى للكاتب