Monday 17/03/2014 Issue 15145 الأثنين 16 جمادى الأول 1435 العدد
17-03-2014

لوحات .. من وحي الزمن الحزين !

* من يتابع أغلب القنوات الإخبارية هذه الأيام، وما تبثه على مدار الساعة عن (ملاحم) الدم والدمار في أكثر من بلد عربي، يناله شيءٌ من غثيان في الأحشاء، ومرارة في الريق، وألم يهز الوجدان، فيما ينازعه الوسواس الخناس أن العالم بات كهفاً يُؤْوي الوحوش، أو غابةً من الأشباح يجري على سواريها دم الضحايا ودموع الأبرياء!

* * *

* أتمنَّى أن تنقل هذه القنواتُ ما يحدث على الأرض بـ(موضوعية) الحياد وعقلانية الحَكَم الأمين بدل أن (تنتصر) لفريق من المتخاصمين ضد آخر، مثلما فعلت وتفعل (إحداهن) حين خلعت رداءَ الحياد بلا حياء، وتمردت على أخلاقيات المهنة، (فنصّبت) نفسَها خصماً وحكماً وجلاداً، بانحيازها المكشوف تأييداًً شبه مطلق لمصلحة أحدِ طرفيْ النزاع ضد الآخر في بلد عربي يشهد فتنةً متعددة الأطياف!

* * *

* يا إلهي، ماذا يشاهد المرءُ وماذا يسمع؟! مسلسل يومي من كوارث الحروب والفتن والتصفيات، الفئوية منها والإثنية والطائفية، وفئات أخرى لا تعرف لها اسماً ولا مسمىّ، لكنها تشترك في شهوة إراقة الدماء وقطع الأعناق بسبب أو بدونه!

* * *

* ويتسلّل عبر ذلك شَبحُ الإرهاب الخبيث.. ليخْتَالَ أمام عدسات الإفك براياته «السوداء» «والصفراء» وأسلحة الدمار بين يديه وعلى كتفيه.. يأتي من خارج السياق الجغرافي والطبغرافي ليشارك في (حفلات) الدم والدمار، بلا رسالة ولا غاية ولا هدف.. سوى الرغبة العارمة في تنفيذ (أجندا) خفية لسانُها الرصاص الذي لا يرحمُ شهقةَ أم، ولا دمعةَ طفل، ولا هيبةَ مسنّ!

* * *

* نعم طغت أخبار الحروب والفتن على كل نبأ يسرّ، محلياً أو عربياً أو عالمياً, وبات هديرُ الأجهزة الإعلامية يُسَمعُ صبحاً وظهراً وعشياًً ومساءاً، وآخر الليل حتى مطلع الفجر!

* * *

* منذ زمن بعيد والناس في منازلهم يتابعون (الحروب الكرتونية) بين (توم) و(جيري) فيبتسم مَنْ يبتسم، ويشقى من يشقى حين يقارن في خاطره بين ما يفعله (كرتونياً) العدوَّان اللدودان على الشاشة، وما يفعله أقوامٌ من البشر في العالم الحقيقي بعضْهم ينتمي إلى ذات الدين والبشرة وفصيلة الدم قتلاً وسحلاً وتدميراً إمّا تعصّباً مؤدلجاً لصالح فئة ضد أخرى، أو طمعاً فيما وهب الله عبادَه من خير، أو استجابةً لنزغات شيطانية تجعل الإنسان يتنكّر لنفسه وللعالم من حوله يأساً وبأساً!

* * *

* وهناك لوحة قاتمة يمثّلها طيف من البشر فقدوا قدرة التحكم في سلوكياتهم تأثراً ببعض ما يشاهدون ويسمعون إلى جانب عوامل أخرى، كقول أحدهم مؤخراً لإحدى الصحف إنه رأى في منامه أنه سيموت بعد أيام، وعندما آب من ذهول النوم، تذكّر حلمه، ثم غشاه مسٌّ من الحزن المجنون أو الجنون الحزين خوفاً على أفراد أسرته بعد (وفاته المزعومة)، فقرّر أن يريحهم من مرارة فقده وألم فراقه ليرسلهم صْرعَى إلى الآخرة الواحدَ تلو الآخر، ثم يتردد فشلاً في اللحاق بهم انتحاراً!

* * *

* ما الحل إذاً يا أهل العقل والعقد؟! يسأل أحدُهم وسط آهة يتقاسمها الحزن والقهر؟ كيف السبيل إلى إصلاح حال هذا العالم المرزوء بالنوائب، معظمُها من صنع الإنسان: تفكيراً وتدبيراً وتدميراً؟!

* لا أدري! لكنني رغم هذه (البكائية) المرسومة على ورق الخريف، ورغم الملاحم الإخبارية المشحونة بوجع الفواجع، سأظل أحلم بيوم من الفرح جديد يُنسي الإنسانَ بعضاً مما كان، ليرفع في آخر الطريق وردةً بيضاء انتصاراً لنفسه على نفسه، وليغرسَ في ساحتها رأية الحب والسلام!

مقالات أخرى للكاتب