Monday 17/02/2014 Issue 15117 الأثنين 17 ربيع الثاني 1435 العدد
17-02-2014

متى ترحل ظاهرة (تعرف أحد)؟!

- لا يكاد يخلو ذهن أحد منا أحياناً من هاجس التماس العون من ذي جاه أو سلطة أو نفوذ للمساعدة في (اختراق) (حاجز بيروقراطي) معين يمكّنُه من بلوغ هدف أو تحقيق مصلحة بلا مشقة ولا جهد ولا عناء، ويتصدر هذه المواقف البحثُ عن كرسٍ في جامعة أو مقعدٍ في طائرة أو سرير في مستشفى، ناهيك البحث عن وظيفة في مصلحة عامة أو خاصة وغير ذلك من الدروب التي يسلكها البعض ممّن قد يستصعب السهل عجزاً أو يستسهل الصعب طمعاً في اختراق الأسوار في يُسْر لا يتاح لسواه!

* * *

- تنتظِم هذه المواقِف مجتمعةً تحت مظلةِ السَّؤالِ الشعبيّ الشَّهير: (تِعْرفْ أحَد؟) والأصلُ عندِ كثير من بيرُوقراطيّاتِ الدُّولِ المتطَوَّرة أنّ ترتيبَ المصَالحِ العامةِ وتَقْنينَها وتنفيذَها أمرٌ يخْضَعُ لقواعدَ وضوابطَ وإجْراءاتٍ تكيّفُها سلطةُ النَّظَامِ وتُظلَّلُها هيبتُه، ويرْعاهَا حَضُوُره، تأْسِيساً وتطْبيِقاًَ وتقْوِيماً، وحين تَطْرأُ لأحَدٍ من أوُلئكَ البَشَر الرغبةُ في إنْجَازِ مصلحةٍ من المصَالحِ، يسْألُ أو يَبْحثُ عن الإطارِ النّظاميَّ المقَنَّن لتلكِ المصْلحةِ، بغَضَّ النظرِ عن هُوّيةِ المطبَّق لها فَرْداً كان أو جَمَاعةً.

* * *

- وليسَ من العسَيِر عليه معْرفَةُ تلك الأُطُرِ والإجراءات، فقد لاتَتَجاوزُ مسَافةُ الإنجَازِ بِضْعَ دقائقٍ تَسْتغْرقُها محَادثَةٌ هاتفيةٌ يعُرَفُ من خِلالِها كُلُّ شيءٍ، ويمكن إنجازُ مصْلحَة من المصالح من بين الأمور التي تتحقق عبر الشبكة العنكبوتية (النت) دون مشقةٍ أو عَنَاءٍ كتجديد الجواز أو رخصة القيادة أو بطاقة الإئتمان.. ونحو ذلك.

* * *

- إن مصطلح (تعرف أحد) ظاهرةٌ اجتماعيةٌ وسلوكيةٌ لها من السلبيات مالها أتمنَّى أن يهْتَمّ بها أكاديميّو الإدارةِ ومحْتَرفُوها تشْخِيصاً وعِلاَجاً، وتنشأ في أغلب الأحوال نتيجةَ أسْبَابٍ عِدّة منها ما يلي:

‌أ) غموضُ وتَعدُّدُ بعضِ القواعدِ والإجراءاتِ المقنَّنَةِ لمصَالحِ الناس، مِمّا يَجْعلُ بعضَهم يلجأ إلى بوابة (تعرف أحد) تعرُّفاً على تلك القواعد أو تجاوزاً لبعضها أو تذليلاً لإِجْراءاتها!

‌ب) تنَاقُضُ المواقفِ لدى بعضِ الناسِ حول مبدأ المساواة في الحُقُوقِ والواجبَاتِ:

(1) فهُمْ من جهةٍ يرغَبُون (في) المسَاواةِ فيَما لهم من حُقُوقٍ أسوةً بغَيْرهِم، ويَسْتَفزُّ مشاعرَهم غيظاً الاسْتِثْناءُ من ذلك!

(2) لكنّهم في الوقتِ نفسِه يرَغبُون (عن) المساواة فيما عليهم من واجِبَاتِ ويلتمَسُون الاسَتثناءَ منها إلى دَرَجةٍ قد تُؤْذِي مشَاعرَ غَيرِهم من الناس ويسوّقون لذلك ألواناً من القول!

* * *

- وبعد، فإنني أتساءل: متى نبلغُ مستوىً من عقلانية الفهم، وسمو الثقافة وحضارية السلوك.. فندخُلَ البيوتَ من أبوابها لقضاء شأنٍ من شؤوننا.. ونلتزمَ بما هو مقرّر من قواعد وضوابط وإجراءات تحكم هذه المصلحةَ أو تلك ؟ بدلاً من شحذ الذهن وإرهاق النفس بحثاً عن (أحد) نعرفُه أو نعرَّف به أو لديه، يفتح لنا باباً خلفياً أو ممراً جانبياً أو ثغرةً فوق السطوح؟!

* * *

- متى يحين اليوم الذي نتعامل فيه نحن معشرَ البيروقراطيين مع كل الناس بشفافيةٍ وصدقٍ وعدل.. نتلمس شكواهم باهتمام، ونلتمس لها الحلولَ بعدلٍ وقايةً لهم من الكَبَد وردْعاً لسلبيات الحلول البديلة (المتسللة) عبر الدروب الضيقة ؟!

والله المستعان.

مقالات أخرى للكاتب