Monday 13/01/2014 Issue 15082 الأثنين 12 ربيع الأول 1435 العدد
13-01-2014

حمّى المرور .. لا حمّى العصافير!

ابتُلي عصرنا الحاضر بأنماط من الـ(حُمَّى) متعدِّدة الأعراض والأسباب، قيل عنها الكثير مما يؤرِّق الروح والبدنَ معاً، فمن حمى الخنازير إلى حمّى البقر مروراً بحمى الدجاج، وغير ذلك مما يتمرد اسمه على الذاكرة، أو أنه ما برحَ أسيرَ الغيب!

* * *

) لكنني أرى أن انتباهَ بعضنا قد تاه شتاتاً، إمّا استخفافاً بالأمر أو تناسياً له أو تهاوناً! تاه عن (داء) من نوع آخر هو حمّى السيارات التي باتَتْ تثقل كاهل مدينة (حُبلى) بالسكان كمدينة الرياض، وما استصحبه ذلك من ترهّل في عدد السيارات من كل الأصناف والأحجام.. تلبية لاحتياجات الناس، مواطنين ووافدين، ويزداد سعيرُ الزحام في الطرقات إيلاماً بغياب منظومة (النقل العام)، الذي اعتمدته الدولة أيَّدها الله، مشروعاً جباراً، لكن إنجازَه يتطلب سنيناً!

* * *

) أجل.. ينسَى الناس أو يتناسون حُمَّى من نوع آخر تستشري في شوارعنا، وتعبث بأجسادنا منذ زمن طويل، قتلاً وجرحاً وتشويهاً وإعاقة، تجسّدْ ذلك كلَّه إحصَائياتُ حوادث المرور التي تكاد فواجعُها المؤلمةُ تفوقُ ويْلاتِ بعض الحروب والفتن، كمّاً وكيفاً!

* * *

) لن أكرِّسَ العتبَ هنا لأجهزة المرور دون سواها كما قد يفعل البعض منا معشرَ الكتَّاب، فهي تَجْتهدُ كثيراً وتَفْعلُ كَثِيراً، ولها من اجتِهَادهِا وفْعِلهِا أكثرُ من نصِيب، وهي ليسَتْ في كل الأحوال منزَّهةً من الخُطأ، تسَاهُلاً أو تقْصِيراً، لكني أكادُ أجزمُ أن لها في بعض الأحوال عُذْراً، والناسُ يلوُمون! ومن شَاء تفْسِيراً لهذا القَول أو تأْوِيلاً فلْيسْاَلْ أهلَ المرُور أنفُسَهم كما فَعلتُ أنا، أكَثر من مَرة!

* * *

) إذاً، فللمرُور نصيبٌ من حقِّ، مثْلمَا أن له قَدْراً من عَتَبٍ، لكن الأهمَ من هذا كلِّه ألاّ يتَحوَّلَ الجُمهورُ، في نظر المرور أو العكس إلى (شَمّاعةٍ) تُعلَّقُ عليها الأخطَاءُ، ويُسْقَطُ العتبُ، فكلاهما شَريِكان في فِتْنةِ حوَادِث الشوارع!

* * *

أقول:

) يخطئُ المرورُ حين يَغِيبُ أفْرادُه حضُوراً وهيبةً وردْعاً عن شارِع يُعانِي فتنةَ الزِّحَامِ لأيّ سبَبَ، قلَّ أو جلَّ!

) ويُخْطئُ الجمهوُر مرات:

) مرةً بغفْلتِه حين يُسلِّمُ حَدَثاً غَرّاً سيارةً لا يُحسِنُ قِيادتَها فَنّاً ولا خُلُقاً.

) وأخرى بأسلُوبِ تَعامُلِه مع خطأ مرُتِكَبِ الحَادِث.. فيَرْفضَ العقَابَ، ويقَاومَ الرّدْعَ.

) وثالثة: حين يَعتذِرُ لقائدِ المركبةِ الحَدَث بأنّه صَغيرٌ لا يَعِي من أمْرِه شيئاً، فإن نال مرادَه، وإلاّ لجأ إلى (ذي جاه) يَلتمسُ منه الشَّفاعةَ (لتَطْويقِ) الحاَدِث لصَالحِ ابنهِ أو قَريبهِ!

* * *

) لهذه الأسْبَابِ وغيرِها، تنمُو حَوادثُ المرُورِ وتَسْتَعِرُ! وترتيباً على هذه الأسباب.. يجدُ المرورُ نفسَه أحياناً عَاجِزاً عن التَّعامُل مع حوَادِث الشَّارع بالقدْر الذي يتَمنَّاه هو والأسوياءُ من الناس!

* * *

) أختم هذا الحديثَ بنصيحتيْن: أولاهما للمرور ألاّ يُعاتبُوا الناسَ كثيراً، وأن يعاتبوا أنفسَهم عمَّا تشْهدُه بعض شوارعَنا من حَوادثِ مؤْسِفةٍ، فالدولةُ لم تبْخَلْ على أجهزتهم بالمال ولابالتقنية أو التقنين لممارسة مهَامِهم، وإذا كان هناك قُصُورٌ من لدن الجُمْهور لا يدَ له فيه، فليسَ هذا مبرراً لغيابهم عن الشوارع!

* * *

) وبهذه المناسبة، لا يمكنُ إغفالَ شهادة حق وعرفان لرجال المرور في كثير من أحياء الرياض هذه الأيام فقد كثّفوا حضورهم في الشوارع أفراداً ومجموعات، ووجودهم خاصة في الذروات المرورية يطمْئنُ النفسَ.. ويصونُ النفيسَ بعد الله!

* * *

) أما النصيحة الثانية فهي لعامة الناس بألاّ يلوُموا المرورَ كثيراً، وأن يلوموا أنفسَهم وأهليهم عمَّا تشهده بعضُ شوارعُنا من حوادثِ السيارات! أقول لهم كلمة صادقة إنكم تمكّنُون أحياناً أفراداً غيرَ مسئولين من ذويكم أو مِمَّنْ لكم عليهم حَقُّ الولايةِ يَفْتقرُون إلى الخبْرة لقيادةِ السيارات، وحين يأتون من الحوادث ما تكْرهُون.. تَتَطوّعُون بالانتصَار لهم، ظَالمِين أو مظْلوُمِين، لتَحُوُلوُا بينهم وبين العدالة، أجهزةً وإجرْاءاتٍ، فإذا خلْوتُم إلى أنفُسِكم، كْلِتُمْ اللومَ كلَّه للمرُور، ونسيتُم أنفْسَكم وأولادَكم، وكأَنْ مرتكبي الحَوادث قادمُون من كواكبَ أخرى!

* * *

) أَلاَ فلنتّقِ الله في أنفسنا وما سخّره لنا من مالٍ وبنونٍ، ولنكنْ عوناً لبلادنا لا ابتلاءاً لها!

مقالات أخرى للكاتب