Monday 06/01/2014 Issue 15075 الأثنين 05 ربيع الأول 1435 العدد
06-01-2014

التربية .. كما نتمناها أن تكون!

* يتجاذب التربيةَ في كل زمان ومكان، عاملان مهمان:

* فهي صراط يربط جيلنا الشاب بالمستقبل، قاصيه ودانيه، والكل يحلم بأن يكون هذا الصراطُ قوياً وآمناً وأداة صالحة (للعبور) إلى المستقبل المنشود.

* * *

* وهي، أرَقٌ تمتد جذوره إلى الماضي البعيد بدءاً من ثقافة (اللوح الخشبي) وصولاً إلى معجزة كل العصور (اللوح الآلي) الذي يعتبر (ثورة مستمرة) في مسيرة تشكيل وإبداع العقل الإنساني.

* * *

* لِمَ الأرق إذاً، قد يسأل سائل؟..

* الأرق هو امتداد لـ(جرثومة) الخوف الرابض في تجاويف الوجدان الإنساني: الخوف من الفشل في تعثّر مسيرة التربية، بمفاهيمها وتحدياتها والآمال المرتبطة بها، وكل خطوة تطوير تتخذ في هذا المسار، تقترن في الخاطر بهاجس الخوف من التعثّر أو القصور في بلوغ مرامها، خاصة وأن أحدَ طرفيْ معادلة التطوير (إنسان) وليس (آلة صمّاء) تقبل التطويع والتعديل أو التبديل!.

* * *

* التربية (صناعة) إنسانية معقدة جداً لأنها بوتقة ينصهر فيها (إنسان) التنمية و(رحم) يتشكل فيه (مواطن) الغد، وقد كان لي شرف الكتابة قبل نحو عقدين من الزمن أطالب بتبنّي مسمّى (وزارة التربية) بدلاً من (وزارة المعارف) تكريساً لذلك المفهوم الحضاري للعملية التربوية، وتأكيداً لخصوصية الإبداع فيها، إذا سلكت المسار الصحيح الخالي من العثراتِ، دقيقِها وجليلِها.

* * *

* وإلاّ، فما جدوى التربية إن لم تكن كذلك؟ ما جدواها إن لم تحقق للمرء فرصة (الهجرة) من جدب اللاّوعي إلى واحة العلم والوعي والإدراك؟!

* ما قيمتها إذا لم تعتق صاحبها من (رقّ) التخلف عتقاً يمنحه سمو الذات وإبداعها خدمة لنفسه ومن يهمه أمره وللكون من حوله؟!

* ما جدواها إذا لم تصنعُ الفرق بين الإنسان وبهيمة الإنعام؟!

* * *

* هكذا تصورت حصاد التربية محصلةً طبيعية للعملية التربوية، وغاية سامية لها، ويبقى التعليم في أحسن أحواله الجسرَ الذي يعبر من خلاله متلقوه إلى تلك الغاية.

* * *

* باختصار شديد:

* كم أتمنى .. لو نسمو بمفهومنا للعملية التربوية فلا نتصورها أداة حقن للمعلومات في (أنابيب) بشرية تفقد صلاحيتها بعد حين ثم يدركها البلى.. لماذا؟ لأن المعارف الإنسانية في غالبها (متحولة) لا تبقى على حال، بل تتغير بين آن وآخر، والقيمة الحقيقية للمعرفة لا تكمن في تخزينها وراء قضبان الذاكرة، فالحاسب الآلي يستطيع بكفاءة مبدعة حملَ هذا العناء نيابةً عنا، والمهم، من قبل ومن بعد، أن نسخر المعلومة ونطوعها لنستفيد منها لصالحنا، ونتابع ما يطرأ عليها من تعديل وتبديل وتقويم.. لصالحنا أيضاً، هذه هي التربية .. كما نتمناها أو كما يجب أن تكون!

* * *

وبعد..

1) فها قد تحقق جزءٌ من النداء، وباتت (التربية) جزءاً من ثنائية المسمى المبارك لوزارة يقع على عاتقها (وزر) ثقيل وهو (ترميم) وتشكيل (العقول الشابة). والوزارة تثابر الآن ما استطاعت لتحقيق هذه الغاية السامية بقدر من النجاح، لكن أمامها الكثير من الطموحات والتحديات، ونطمع أن يكون ما تدركه من نجاح مستوعباً لبعض طموحاتنا، آباء وأمهات، وطلاباً وطالبات.

* * *

2) إن العبرة في المطاف الأخير، ليست في تغيير المسمى، ولكن فيما يترتب على ذلك من تقويم مستمر ومراجعة جادة وتعديل مدروس في آليات ومحاور (وعُدّة) التصنيع لعقول المستقبل، ويأتي في مقدمة ذلك المعلم فالمعلم ثم المعلم.. ثم المنهج ! وذاك هو الاستثمار الحقيقي الذي يفوق ما عداه من استثمار! المال يأتي ويذهب، والظفر به أو خسرانه يعتمد على متغيرات كثيرة في ميادين السياسة والاقتصاد وغير ذلك، أما الاستثمار الناجح في العقول البشرية فمردوده ثابت لا يبور إلا لمن أساء تطبيقه!.

* * *

* أجل .. الاستثمار في الإنسان هو أغلى وأقنى الجهود لبناء إنسان المستقبل القادر على صنع الفرق بين أمس (كان) وغدٍ (سيكون) أجمل بإذن الله.

مقالات أخرى للكاتب