Monday 14/04/2014 Issue 15173 الأثنين 14 جمادى الآخرة 1435 العدد
14-04-2014

قصة من صميم الواقع

تمثل القصة الدور الأكبر في التأثير الفكري والقيمي والوجداني على الإنسان، لذلك تجد أن ثلثي القرآن الكريم قصص، بدءا بقصص الأنبياء مرورا بالأمم وقصص شخصيات تاريخية خلدها الكتاب الخالد. ذلك أن القصة التي هي من صفحات الزمن الواقعة بالذات تقدم رسائل غير مباشرة وبطريقة أعمق تأثيرا من الوعظ المباشر، خاصة ان الإنسان محب للإثارة بطبعه عاشق للتبع المجهول،

خاصة عن بني جنسه من البشر قديمهم وحديثهم ومعاصرهم. ثم إن بني البشر حين يبدأ الواحد منهم بتتبع وسماع أو قراءة قصة، فانه يمضي في تقفي مسار أحداثها توقا لمعرفة مصائر شخصياتها وتقلبات أحوالهم فيها وبالذات الحقيقية منها كما ذكرت، بل حتى الرواية التي تلعب خلفيات وحياة الروائي الدور الرئيس في نسج أحداثها لها تأثير قوي ومعروف على المجتمع المتلقي لها، بل والمجتمعات الإنسانية الأخرى.

هذه قصة من صميم الواقع جرت أحداثها في مدينة عنيزة، المعروف أهلها بطيب المعشر وكرم النفس واليد. إذ تبدأ أحداثها بأحد تجارها الذي كان قد بدأ في أحد الأيام باتخاذ ما يلزم من إجراءات قانونية لملاحقة بعض الأفراد والأسر التي لم تسدد ما عليها من ديون لهذا التاجر، وذلك بعد أن أمهلهم فترة من الزمن لم يوفوه خلالها الديون التي عليهم له. كان من بينهم شيخ كبير لا يملك ما يسدد به دينه، وقد توقفت به الحال وليس له من سبيل للخروج من هذه الضائقة غير رحمة رب العباد. ولم يكن له من أولاد يسندونه غير بنت له في بيته، فما كان من هذه الفتاة الأبية إلا أن تتصل بهذا التاجر بكل أدب وتعرض عليه الزواج منها على سنة الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - مقابل أن يسقط الدين عن أبيها ويكون هو مهرها (300.000) ثلاثمائة ألف ريال.

فوجئ التاجر بحديث الفتاة وطلبها العجيب وذكر لها انه شيخ في سن والدها، فأكدت له عزمها وان طلبها عن اقتناع ومعرفة به وبسنه، وان والدها لم يطلب منها ذلك بل هي المبادرة عن رضا واقتناع.

تحدث التاجر مع والد الفتاة وتم الاتفاق على عقد القران، وبالفعل حضر الأب مع ابنته والتاجر مع الشهود، وجرت مراسم عقد القران كالمعتاد، وعند سؤال الشيخ للتاجر العريس الجملة الشرعية المعتادة (هل تقبل بهذا الزواج)، أجاب التاجر بأنه لا يقبل! تعجب المأذون والحاضرون ووالد الفتاة، سأله المأذون عن السبب، فأجاب التاجر بأن هذه الفتاة تستحق شابا في سنها ورجلا يليق بأخلاقها وأنوثتها، وان مبلغ الدين الذي قدمت نفسها لي عروسا حتى لا يسجن والدها قد تنازلت عنه، بل واقدم مثله (ثلاثمائة ألف أخرى) عونا مني لها ولوالدها حتى تتزوج وتتيسر أمورهم!.

حقاً إن الناس معادن، تظهر محاسن الكرام وقت الشدائد، هذه الفتاة بإبائها وشرفها وأنوثتها قدمت أروع الأمثلة في شيم الأخلاق والنبل والشجاعة، كأنها تقتفي آثار أوائل نساء الجزيرة العربية من القرون المفضلة. وهذا التاجر النبيل الذي قلب الصورة النمطية واثبت أن التجارة لا تعني الربح بلا حساب للقيم من كرم النفس والنجدة وإغاثة المنكوب، التجارة سبيل إلى بذل الخير ومد يد العون لكل من ضاقت به الحال، وغير بعيد عنا أمثلة التجار من أسياد الصحابة، عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف والزبير - رضي الله عنهم - أجمعين، بل إن سبعة من المبشرين بالجنة من الصحابة الكرام تجار.

أمة الخير لن تعدم الخير ولن تعدم نماذج تشرفها بين الأمم في الدنيا ويوم العرض الأكبر.

جعلنا الله وإياكم كرماء النفس واليد، والله يرعاكم.

romanticmind@outlook.com

تويتر @romanticmind1

مقالات أخرى للكاتب