Wednesday 16/04/2014 Issue 15175 الاربعاء 16 جمادى الآخرة 1435 العدد
16-04-2014

خَلَقَ الْمَوْت وَالْحَيَاة

يُراد بالموت التوقُّف الفيزيائي للحياة. وهو كمفهوم في حدِّ ذاته، مرتبط بالفرد وبالنوع. لأن الحيوان لا يعرف أنه سيموت، في حين الأمر مختلف جدًّا عند الإنسان.

وقال بعضهم: الموت والحياة عبارة عن الدنيا والآخرة، سمى الدنيا موتاً لأن فيها الموت، وسمى تلك حياة لأنها لا موت فيها. وقيل الموت: العدم السابق على كل حادث، كما يقال للشيء الدارس والمعدوم ميتا، لأن الموت والحياة معنيان يتعاقبان على الأجسام، فإذا وجد أحدهما فقد الآخر، وعلى هذا فيكون الموت هو العدم السابق لوجود الإنسان، مثل قوله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة:28]. أي كنتم معدومين قبل أن تخلقوا، دارسين قبل أن توجدوا، فأحياكم أي خلقكم.

في الحياة نجد أنه يموت عشرات الناس، بل مئات الناس، بل آلاف الناس، ولا يكون لموتهم أي صدى، وقد يموت بعض الأشخاص ويكون لموتهم صدىً كبير وذلك عائد للمكانة الاجتماعية والصيت الذي تناله فئة وتنحرم منه فئة رغم أن الموت نفس الموت موت فقير ووضيع أو موت غني وشريف.

الموت وقد اتسعت رقعته وتتسع في كل عام بسبب تنامي أسبابه وانتشارها فمن حوادث سيارات إلى فتك الخادمات ونحرهن للصغار قبل الكبار, ومن الفيروسات الآخذة في الانتشار منها ما يعرف سببه فيكافح رأسا ومنها ما لا أسباب له واضحة. الموت كلما اتسعت رقعة الأراضي السكنية وتكاثر النسل أمعن في سلب الأرواح بأعداد لا حصر لها وقد قرأت أن عدد الوفيات بسبب حوادث المرور عام 2013 في المملكة العربية السعودية 7623 وفاة. وربما أكثر من ذلك. الموت حقيقة لا نملك رفضها أو التملص منها والاكتشافات قدمت لنا عدة حقائق علمية عنه, عن الموت من هذه الحقائق:

- في داخل كل خلية من خلايا جسدنا ساعة حيوية فائقة الدقة، وهذه الساعة سخرها الله لتتحكم بجميع العمليات الحيوية بدءاً من ولادة الإنسان وحتى موته، ويقول العلماء إن البرنامج الموجود في كل خلية والذي يسير بخطوات دقيقة لا يشذ عنها، وقد بُرمجت هذه الساعة لتدق عدداً محدداً من الدقات، لا تزيد ولا تنقص، وعندما تدق آخر دقة فإن الموت يأتي بعدها ولا يتأخر أبداً. وربما نعجب من دقة البيان الإلهي عندما وصف لنا لحظة الموت فقال: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} [النحل: 61].

- يؤكد معظم العلماء أن الهرم هو أفضل وسيلة للنهاية الطبيعية للإنسان، وإلا فإن أي محاولة لإطالة العمر فوق حدود معينة سيكون لها تأثيرات كثيرة أقلها الإصابة بالسرطان، ويقول العلماء: «إن أي محاولة لبلوغ الخلود تسير عكس الطبيعة». لقد خرج العلماء بنتيجة ألا وهي أنه على الرغم من إنفاق المليارات لعلاج الهرم وإطالة العمر إلا أن التجارب كانت دون أي فائدة. وهذا ما أشار إليه النبي الأعظم عليه الصلاة والسلام بقوله: (تداووا يا عباد الله، فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاءً إلا داءً واحداً: الهرم) [رواه أحمد].

- يؤكد العلماء أن الموت يُخلق في داخل النطفة، ويتطور داخل الخلايا منذ أن يكون الإنسان في بطن أمه، ويقول العلماء: يُخلق داخل كل خلية عناصر مثل صمامات الأمان تتحكم بحياة الخلية، فبعد كل انقسام يتغير حجم هذه العناصر، وكلما قصر طولها تقترب من الموت، وعند حجم معين تتوقف الخلية عن التكاثر وتموت، وهذا ما حدثنا عنه القرآن بقوله تعالى: {نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ} [الواقعة: 60]، أي أن الله تبارك وتعالى وضع نظاماً مبرمجاً لعملية الموت، لذلك فالعلماء أطلقوا مصطلحاً علمياً جديداً على موت الخلية أسموه (الموت المبرمج للخلية) ولذلك فإن قوله تعالى: {قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ} [الواقعة: 60]، يتطابق مع الحقائق العلمية، وهذا يشهد على إعجاز القرآن الكريم.

- يحدث في كل خلايا الجسد أفعالٌ يسميها العلماء: الأفعال التنكسية، تحدث بعد فترة معينة من حياة خلية. فالخلية تنمو وتكبر وتبدأ بممارسة نشاطاتها، ولكن بعد عمر معين تبدأ الأفعال التنكسية داخل الخلايا، ولذلك يقول العلماء إن هذه العملية لا يمكن أبداً إيقافها، وإن إيقاف هذه العملية يعني الموت، لأن الموت مبرمج، فهذه الخلية مثلاً سوف تموت بعد (عشرة أيام)، فمهما حاولنا إيقاف هذا التنكُّس ستموت الخلية، وهنا يتجلى قول الحق تبارك وتعالى: {وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ} [يس: 68]. وتأملوا معي كلمة: (نُنَكِّسْهُ) التي تعبر تعبيراً دقيقاً عن الأفعال التنكسية في خلايا الدماغ والكبد، والقلب، وفي كل خلايا الإنسان هنالك أفعال تنكسية دائماً تنتهي بالموت.

- هناك برنامج أودعه الله في كل خلية من خلايا الجسد، وهذا البرنامج مسؤول عن تطور الخلية وانقسامها وتفاعلاتها مع بقية الخلايا، وعندما حاول العلماء إطالة عمر الخلية تحولت إلى خلية سرطانية وانفجرت... وأيقن العلماء أن الموت هو النهاية الطبيعية للمخلوقات.

- تخبرنا إحصائيات الأمم المتحدة أنه كل عام هنالك أكثر من 700000 شخص ينتحرون على مستوى العالم، هنالك مئات الآلاف يموتون في حوادث احتراق، حوادث سير، حوادث قتل،... هناك عدد محدد يموتون نتيجة أمراض القلب، ففي الولايات المتحدة يموت بحدود 700000 ونصف هذا العدد يموتون موتاً مفاجئاً، هنالك عدد معين يموتون بسرطان الجلد، وعدد محدد يموتون بسبب سرطان الثدي وعدد محدد يموتون بسرطان الرئة.. كأن هنالك نظاماً محدداً للموت، وإذا تأملنا هذه الإحصائيات عاماً بعد عام، نلاحظ أن هنالك نسب متقاربة، عندما نرصد الإحصائيات لعشر سنوات مثلاً نلاحظ أن هذه النسب متقاربة وفي ازدياد كلما تقدم الزمن. وهذا دليل على أن الموت مقدَّر بنسب محددة، والعجيب أن القرآن أشار إلى هذه الحقيقة بقوله تعالى: {نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ} [الواقعة: 60].

إذا التقدم والتوسع والاتساع والتكاثر مدعاة لأن تتسع دائرة أعداد الموتى بالتالي تتعدد الأسباب لحكمة ربانية لا نملك الوقوف في وجهها بتاتا.

bela.tardd@gmail.com -- -- p.o.Box: 10919 - dammam31443

Twitter: @HudALMoajil

مقالات أخرى للكاتب