Monday 21/04/2014 Issue 15180 الأثنين 21 جمادى الآخرة 1435 العدد
21-04-2014

امتيازات سعودية!!

يولد الفرد في السعودية كأي طفل عادي في هذا العالم, لا يعنيه سوى اللعب والمرح وإشباع غريزة الدهشة وفضول الاكتشاف, يكبر وتتسع آفاق وعيه ومفاتيح إداركه, فيقبل على العالم بروح فطرية وثابة وطموحة تريد أن تغير وتطور العالم, قبل أن يأتيه صوت اجتماعي صارخ ليردد على مسامع عقله وقلبه الغض, حكايات تعلمه احترام الأصول قبل العقول, وتكشف أمامه حقيبة اجتماعية مليئة بالامتيازات التي لم يتعب يوما للحصول على أي منها مثل, الاسم والنسب والمكانة الاجتماعية وأحياناً الدينية والرصيد البنكي وغيرها.

فيكبر وهو يتباهى بها أمام دائرة معارفه في المدرسة وبين الأصدقاء ولا يكتفي بذلك, بل يتحول إلى أسير على حين غرة أمام تلك القيود الفكرية التي تكبل تفكيره ومنابع وعيه وتفسد معايير تقديره للآخرين, فيصبح كل من لا يقارعه نسباً ولا يوازيه مكانة وحضوراًً اجتماعياًً ولا يشبه مستواه المادي والمعيشي في دائرة الدونية وأحياناًً الازدراء.

عشت في دبي لثلاثة أعوام في مناخ جامعي شديد التنوع وثري الاختلاف, ففي جامعتي وحدها هناك أكثر من 99 جنسية لم أسمع ببعضها سابقاً, مما منحني فرصة مقابلة أناس من أفريقيا وأوربا وأمريكا الجنوبية وأحيانا شرق آسيا, فبنيت علاقات طيبة مع كثير منهم ودخلت مع بعضهم في نقاشات وحوارات امتد بعضها لأيام عن الحياة والشعوب, أعترف أني كنت أحمل في داخلي قوالب جاهزة للتصنيف من الأفضل ومن الأقل شأناًً, ولكن ومع مرور الوقت تكسرت كثير من تلك القوالب والأصنام الذهنية, وأحسب أن معرفتي بهؤلاء لم تزدني إلا تواضعاًً وقرباًً ليس منهم فحسب بل من ذاتي, وأصبحت أعمل بدأب لتحسين شخصيتي وتطوير فكري وتوسيع آفاق معرفتي, لأن هذا هو الشيء الوحيد الذي ممكن أن أعتز به وأستند عليه بعد أن برمجت اجتماعيا ولفترة طويلة بأني أحمل امتيازات معينة اكتشفت لاحقا ً أنها مزيفة بل ومخادعة, مهمتها تعطيل المنطق وإخماد لذة الاكتشاف وفرص الدهشة في الحياة.

كم شخص منا تغيرت منظوره بالكامل عن الحياة حينما داست قدماه أمريكا أو إحدى الدول الغربية؟ حينما ترك خلفه حقيبة امتيازاته التي أثقلت كاهله سنوات طويلة ومنعته من التمتع بإنسانيته وبصناعة ما يستحق فعلاً التباهي والاعتزاز به, دون الاتكاء على اسم أو دين أو منصب, أو حينما عاشر أصدقاءه لسنوات دون أن يسأله أحدهم عن اسمه الأخير أو منصب أباه, أو دون أن يرفع مقامه مكانته الاجتماعية أو يزيد احترامه مرجعيته القبلية, أن تتحرر من كل ذلك, ويتم الحكم عليك بإنسانيتك وثقافتك وإبداعك وأفكارك الشخصية المجردة من كل زيف وعبء افتراضي, كل ذلك يجعل منا أناساًً أفضل متمتعين بعمق إنسانيتنا لا بقشورها, وبروح سطورها لا بعناوين لم نشارك حتى في صياغتها فضلا ًعن الموافقة عليها.

أخيراً.. إن تلك الحقيبة المزروعة في أذهاننا تنتهي صلاحيتها وتتعطل مفاتيح فكها بمجرد ما تطأ أقدامنا مطارات إحدى الدول المتحضرة, التي لا يعنيها كثيراً لونك وأصلك وكل «الباكينج» الاجتماعي الذي عشت سنوات تستند عليه, بقدر ما تحتفي بمنجزك الشخصي الذي يضيف إلى مخزون العطاء الإنساني, فتدرك ساعتها أنك كنت تعيش في قصور من الوهم والخرافة, تحرس امتيازات لم يعد لها أي معنى أو قيمة تذكر في أوطان تحتفي بالأحياء لا الأموات, وتستشرف المستقبل لا الماضي, وترفع شعار التكامل لا التفاضل!.

Twitter:@lubnaalkhamis

مقالات أخرى للكاتب