Sunday 04/05/2014 Issue 15193 الأحد 05 رجب 1435 العدد
04-05-2014

اليد الواحدة لا تصفق 2 - 2

آن الأوان أن تطوى صفحات النجاحات التي تصنع بأيدي أفراد، مهما كانت قدرتهم على النجاح، ومهما كان تاريخهم حافل بالجهود الموفقة، وبلغوا أقصى درجات الإخلاص، وما قد يتمتعون به من قدرات وإبداعات، لأن الواقع أثبت أن مثل هذه النجاحات غالباً ما تكون مؤقتة، ومرهونة بصانعها، هذا عطفاً على كون الثقافة الإدارية السائدة في جل الأجهزة الحكومية تحديدا تأنف أن تستكمل البناء على ما سبق أن خطط له المسؤول السابق، أو بني على رؤيته، فلسان الحال يقول: تلك أمة خلت لها...

لا ريب أن في الأجهزة الحكومية أكثر من شاهد على النجاح، من تلك الشواهد التي تواترت أوجه نجاحاته، وزير التجارة والصناعة، فالآمال معقودة أن تقود هذه الوزارة بقيادة وزيرها الموفق رؤية تحول بوصلة اهتمام الشباب من انتظار الوظيفة الحكومية إلى إيلاء الأعمال الحرة المهنية والصناعية أفضلية مطلقة في تحديد الخيارات المستقبلية للشباب، لا سيما وأن الفرص الآن متاحة، والمواد الخام متوفرة، وإمكانات الدعم المادي (قروض وأراضي) مهيأة، والتجارب العالمية تثبت صواب هذا التوجه ونجاحه.

أجزم يقينا أنك لو سألت مائة شاب سعودي من خريجي الجامعات في مختلف مناطق المملكة، أي الوظائف يفضل ويختار، وظائف القطاع الحكومي، أم وظائف القطاع الخاص ؟، لتبين لك حتماً - دون مبالغة - أن أكثر من 90% من هؤلاء يفضل العمل في القطاع الحكومي، وأنه على استعداد أن ينتظر طويلاً حتى تتوفر الوظيفة الحكومية، ولو سألته عن السبب، فإنك حتما لن تفاجأ لو تبين لك أن ذهنه خاو تماما من أي مسوغ منطقي وعقلاني لتفضيل العمل في وظيفة حكومية على العمل في وظيفة في القطاع الخاص.

هذا التفضيل والاستعداد للانتظار مترسخ في وجدانات الشباب، لأنه نتاج تربية حولاء غير موفقة، (كل أمة تنظم التربية حسب طبيعتها وعلى مقتضى أخلاقها وعوائدها، ثم التربية نفسها تؤثر على الهيئة الاجتماعية)، فالهيئة الاجتماعية السعودية بصفة عامة تعطي الأولوية والأفضلية في التنشئة الاجتماعية لأبنائها على اعتبار أن للوظيفة الحكومية في وجداناتهم أولوية في سلم التفضيل لديهم، تماما كما كانت الهيئة الاجتماعية الفرنسية تفضل، وكان هذا التفكير الأحول سبباً في تخلف الفرنسيين في مجال الصناعة مقارنة بالانكليز السكسون.

وللخروج من هذا المأزق التنموي الذي سوف يطول، لا بد أن يواجه برؤية وطنية واضحة المعالم، بعيدة المدى، تأخذ في الاعتبار أن تفضيل العمل في القطاع الحكومي يعد من حيث المبدأ من الأخطاء الفادحة التي مازالت الهيئة الاجتماعية السعودية تتوارثها بإصرار، وعلى الرغم من هذا ومما زاد الطين بلة أن جل القطاعات الحكومية تعاني من بطالة مقنعة، بسبب تكدس العاملين السعوديين فيها، ودلت العديد من الدراسات فضلا عن الأجهزة الرقابية التي تشير إلى أن انتاجية الموظف السعودي وساعات عمله تعد معدودة من حيث الكم والكيف، وبالتالي فالخسارة مزدوجة، خسارة على مستوى الوطن وعلى مستوى المواطن الذي ينتظر وظيفة سوف يكون عبئا عليها، لأنه لن يفيدها ولن يستفيد منها.

إن تحول بوصلة التفضيل في عقلية الشاب السعودي بحيث يعطي أولوية التفضيل للعمل في القطاع الخاص بدل العمل في القطاع الحكومي يتطلب جهوداً كبيرة وعلى مستويين:

- الأول على مستوى الأسرة، إذ المطلوب منها أثناء عمليات التنشيئة المبكرة أن توجه الأبناء إلى أهمية ربط العلم بالعمل، وأن التطبيقات العملية لما يتم تعلمه وربطه بالحياة هو الضمانة المؤكدة بإذن الله لتحقيق حياة هنيئة كون الإنسان فيها منتج فعال نافع.

الثاني على مستوى المدرسة، بحيث تتبنى الهيئة التعليمة فيها في كل موقف تعليمي توظيف المعرفة في الحياة العملية، بحيث يشعر الطالب بقيمة المعرفة وتطبيقاتها العملية، ومدى حاجته لهذه المعرفة في تحقيق النجاح الذي يتطلع إليه.

abalmoaili@gmail.com

مقالات أخرى للكاتب