Wednesday 14/05/2014 Issue 15203 الاربعاء 15 رجب 1435 العدد
14-05-2014

أنا.. وامرأة من إيران!

مشهد مستفز، لن يبرح ذاكرتي مدى الحياة، عندما توقفت العام الماضي في رحلة ترانزيت بمطار البحرين، وكانت الصالة مليئة بعدد من المسافرين الإيرانيين، وقتها توجهت وأسرتي إلى أحد المطاعم، ويجلس إلى جانبنا عائلة إيرانية مكونة من أم وأب معهم شابين وفتاة جميعهم في العشرينات. لفت نظري أن الرجل يضغط بكعب حذائه على قدم زوجته، حتى سقطت الساندويش من يدها لكنها لم تتحرك، وهو مستمر في دهس قدمها ثم لف قدمه الأخرى ليدهس بها قدمها الثانية في حالة من التلذذ، كانت تتألم دون صوت، ولا أحد يرى هذا المشهد سواي وأسرتي حيث أن طاولتنا ملتصقة بهم ما أجبرنا «الذهول» على التوقف عن تناول الطعام، بينما الشابين وهم أبنائهم مستمرين في التهام الساندويشات وكأن المشهد طبيعي جدًا.. صرخت رافعة يدي في تصرف لا إرادي بأن يتوقف عن دعس قدميها، فإذا به «يغيظني» ويزيد الإيذاء باستخدام يديه -أيضًا من تحت الطاولة- في عملية «تقريص» على أنحاء مختلفة من الجزء السفلي لجسدها.

تحدثت مع الشابين والفتاة طلبًا في التدخل لردع هذا المسافر المجنون الذي يُمارس العنف العلني، فإذا بأحدهم يرد عليّ وهو مستمر في طعامه، هذا أبي وهو زوجها، فقلت له: وماذا يعني ليس من حقه أن يؤذيها؟ فرد: هو يؤدبها!

أمام هذا التعاطي البارد نهضت من مكاني فورًا لاستدعاء أحد رجال أمن المطار، وعندما شاهدوني مقبلة برفقة رجل الأمن نهضوا واتجهوا مسرعين إلى البوابة وجميعهم رمقوني بنظرات ازدراء عدا الفتاة والمرأة التي كانت فرحة بموقفي.

في تلك القصة يتضح أن الأبناء الشباب قد تربوا على العنف حتى صار أمرًا طبيعيًا لا تتحرك معه مشاعرهم وهو يحصل بحق والدتهم، أيضًا ثقافة العنف واعتبارها جزء من التربية والتأديب لوالدتهم التي لا أعلم ما هو جُرمها لتحصل على هذه العقوبة، حتى إنها بالكاد وصلت إلى البوابة بعد وجبة المطعم الدسمة، هذه المرأة هي مسكينة وليست مسكينة، مسكينة لأنها تتلقى العنف وسط ثقافة تعتبره جزءا من تربية الرجل لزوجته، وهي ليست مسكينة لأنها وصلت إلى هذا السن ولم تقل له (لا) لتوقف هذا المد العنيف الذي يحف حياتها، فإن كان زوجها يفعل هذا في مطعم وسط المطار، فيا ترى ما الذي يفعله بها بمنزلهما؟

القصة أعلاه لا تعني امرأة إيرانية، فالعنف الذي يُمارس بحق المرأة ليس له جنسية، بل هي مشاهد تتكرر باختلاف الأزمان والأمكنة والجنسيات، وسط ثقافة رائج فيها مفهوم تأديب المرأة إلى الحد الذي جعلها تصمت، وجعل أبناءها يشاهدونها بهذا الشكل ويؤيدون ما يحدث لها، مع العلم أنه في الحياة الطبيعية دائمًا ما يقف الابن في صف والدته، والابن الطبيعي يرفض أي إهانة بحق أمه وإن كانت صادرة عن أبيه.

لو تدخل الأبناء أو على الأقل توقفوا عن التهام الطعام في تعبير استنكاري لما يحدث بحق والدتهم (قد) لا أتدخل، إنما الواجب الإنساني الذي يحتمه عليّ ضميري وضمير كل إنسان أن يتدخل ولو بكلمة (لا) عندما يشاهد امرأة أو طفلاً يتم تعنيفهم، خصوصًا الطفل الذي صار تعنيفه مشهدًا اعتياديًا في الأسواق والأماكن العامة، لن يتوقف إلاّ إن نزع كل منّا عن نفسه غطاء الخجل، وقال لمعنفه: لا!

www.salmogren.net

مقالات أخرى للكاتب