Friday 23/05/2014 Issue 15212 الجمعة 24 رجب 1435 العدد
23-05-2014

ذكريات معهم

2008 جاءتني مكالمة هاتفية من مدير مكتبه وكنت للتو وصلت جدة لحضور تكريم اثنينية عبدالمقصود خوجة لصاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل، مفاد المكالمة أن الدكتور غازي سيلتقيني في مكتبه بوزارة العمل عند العاشرة والنصف صباح اليوم التالي، وطبعا لم يكن بالإمكان أبدا أن أطلب تأجيل الموعد وأنا التي كنت أتوق لرد معالي الشاعر على خطابي لطلب استضافته في حلقة خاصة عن الرواية.

عملت المستحيل لأحضر جزءا من التكريم ثم لأجد حجزا للعودة من جدة للرياض في نفس الليلة.

استقبلني الشاعر فيه بروحه المرحة وتواضعه الجم، وقد اتفقنا على موعد لتسجيل الحلقة في مكتبه الذي زينته مكتبة ضمت كتبا شعرية ونثرية،

أول ما وقعت عيني على الرواية التي تركت أثرا عميقا بي «رجل جاء وذهب» وعدنا أدراجنا وفريق العمل لنعود في موعد حددناه.

محمد الثبيتي، 2009 وما أدراك من هذا الشاعر الجميل، الإنسان الهادئ الذي قد لا يعبر هدوؤه عن عاصفة قد تعصف بالمكان إن هو بدأ بقراءة قصيدة ما،

التقيت به في بهو الفندق بصنعاء أيام الأسابيع الثقافية السعودية هناك، كان الرجل سعيدا باختياره للمشاركة في الفعاليات، وبكل الجمهور الذي التقاه وأحاطه وصفق له بل إن أحدهم أهداه ساعته وهو على منصة الشعر، ولن أنسى ما حييت اهتمام الشاعر د. عبدالعزيز خوجة به.

بعد مداولة بيني وبينه عن تحديد موعد للقاء معه اجتمعنا في البهو، وتجلى أمامي شخص لا يشبه الشاعر الثائر به، كان هادئا متأملا بما قد يثير أسئلة كثيرة عن شروده وصمته وكنت أنجو بين الوقت والآخر إلى دعوته لقراءة قصيدة.

ثم لأتفاجأ بعد عودتنا من اليمن بمرضه ثم رحيله رحمه الله.

عبدالله الجفري/ رغم تلك الوعود بلقاء تلفازي أو أدبي إلا أن كل المحاولات باءت بالفشل، وحال رحيله دون أن ألقي عليه تحية لقاء أو وداع.

كانت الرسائل الالكترونية ما بيننا هي مراسلات أدبية بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

بدأت بمقاله الذي كتبه عني في ظلاله بعكاظ والذي تحدث عن ديواني «قل للغياب أنا هنا» ثم كتابات فلسفية ومراسلات تعبر عن تفاؤله وشجنه في نفس الوقت.

وعندما اضطرت عائلته السفر به للندن للعلاج بعد الوعكة التي أصابته، زاد فزعي ألا ألتقيه، لكنه لما حمل قلبه المجهد وعاد به إلى جدة رئته ومرفأه، اتصلت بابنه وجدي أطلب منه أن يشير لوالده أن يحضر «الأشرعة» في حلقة خاصة تتحدث عنه، وما أجمل المهاتفة التي فاجأتني منه بعد البرنامج مبتهجا بما قيل.

رحل الجفري ورحلت معه رومانسية الرواية وقلبه الذي أضناه طويلا، وكنت كلما زرت جدة توجهت لبحرها ولوحت للجفري بكف القلب.

يقول جان كوكتو» لا تبكوا هكذا بل تظاهروا بالبكاء، فالشعراء لا يموتون، بل يتظاهرون بالموت فقط».

وهكذا سنحاول نتحايل على الذاكرة، ولعل ما يعزي قليلا تلك اللحظات معهم.

من آخر البحر للثبيتي

اقبلوا كالعصافير يشتعلون غناءً

فحدقت في داخلي

كيف أقرأ هذي الوجوه

وفي لفتى حجر جاهليّْ؟

بين نارين أفرغت كأسي..

ناشدت قلبي أن يستريحْ

هل يعود الصبا مشرعاً للغناء المعطّر

أو للبكاء الفصيح؟

mysoonabubaker@yahoo.com

Mayabubaker@ تويتر

مقالات أخرى للكاتب