Saturday 24/05/2014 Issue 15213 السبت 25 رجب 1435 العدد
24-05-2014

لماذا نمزق الكتب؟

بعيداً عن عقوبة التلاميذ الذين صوَّروا حفلاً شوارعياً لتمزيق كتبهم الدراسية في نهاية العام، وبعيداً عن عقوبة الإدارة والمعلمين المشرفين في هذه المدرسة، يبقى السؤال المهم الذي على وزارة التربية والتعليم مواجهته، هو: كم حفلةً لتمزيق الكتب نُظمت في الشوارع، وخلف أسوار المدارس، مما لم يتم تصويرها وبثها للمتابعين؟!

ولماذا كل هذا الفرح والشغف على ملامح تلاميذ ذلك الفيلم؟ فمن شاهد الفيلم لا بد أن يلفت انتباهه تلك الفرحة الهستيرية التي بدت على وجوه التلاميذ وهم يطيِّرون الصفحات الممزقة في الهواء، هل هي فرحة نهاية العام، والتمتع بالإجازة الصيفية السنوية؟ أم هي فرحة الخلاص من مقررات (ثقيلة طينة)، وتزيد الهم على قلوب هؤلاء التلاميذ الصغار؟

ولماذا تطوَّر الأمر بهؤلاء أن طالت أيديهم حتى المارة، وكانوا جاهزين لحذف الكتب وغيرها على السيارات العابرة؟ ما الذي جعلهم يتحولون من تلاميذ صامتين إلى أطفال شرسين موتورين، عندهم استعداد للقيام بأي تمرد؟

مَن المسؤول عما يحدث لهؤلاء التلاميذ؟ هل هو الجانب التربوي الذي تراجع كثيراً في جانب اهتمامات الوزارة منذ عقود مضت؟ أم أن الجانب التعليمي لا ينفصل عن التربوي، وهما معاً يسيران جنباً إلى جنب، لصنع شخصية متزنة ووطنية لهؤلاء التلاميذ؟

كان أمام الوزارة تجاه هذا الفيديو أحد أمرين، إما أن تعاقب هؤلاء، أو أن تفتح باب الأسئلة الصغيرة: لماذا يحدث كل ذلك؟ ما هذا المقرر الذي يجعل التلاميذ يمتلئون حقداً وغضباً عليه؟ لماذا لا تعاد صياغته بطريقة مشوقة ومقبولة، تتناسب مع وعي هذا الجيل الرقمي؟ لماذا لا تؤسس الوزارة نادياً للقراءة، مكوناً من تلاميذ المرحلة التي يتوجه إليها الكتاب المقرر؛ كي يقيّم هؤلاء المقرر المنجز قبل اعتماده بشكل نهائي، وتوزيعه على التلاميذ؟ كما تفعل دور النشر الغربية مع المؤلفات الجديدة، من أجل صناعة كتاب متميز؟

حين تنجز الوزارة مقرراً متميزاً، يحظى بقبول مجموعة طلاب مختلفين من حيث الذكاء والمستوى التعليمي، فإنها ستخطو أماماً، بحثاً عن معلم متميز ذي موقف إيجابي من المقررات، ومن الوطن أيضاً، وهذا مهم للغاية؛ فحين يكون المعلم محتقناً ضد البلاد، وضد الحكومة، وضد الناس، وربما ضد نفسه، فإنه لن يلتزم بما يرد بالمقررات، بل سيلقن ما يريد، من خلال مقرره الخاص، وهذا ما سيكون له انعكاسٌ سلبي على هؤلاء التلاميذ الأبرياء، قد يبدأ بتمزيق الكتب، وينتهي بتمزيق ما هو أكبر من ذلك!

كلنا ندرك أن تعليمنا يستخدم آلية التلقين والعقاب، ولا يشيع ثقافة الحوار والتعليم بالترفيه، من هنا تكون معظم مخرجات تعليمنا الأولي تلاميذ مشوَّهين، لا يتقن الواحد منهم الحوار، ولا يبني جملة واحدة؛ ما يجعلنا مرتبكين، حتى حينما نكبر تنمو معنا عثرات الطفولة، ولا نجيد الحوار، ولا التفاهم، ولا نشيع ثقافة التسامح، فنكبر بشخصيات مهزوزة ومرتبكة، أقل ما يمكن أن تفعله هو أن تقف أمام بوابات المدرسة، وتمزق الكتب، وتطيِّر قصاصاتها في سماء زرقاء صافية!

مقالات أخرى للكاتب