Sunday 25/05/2014 Issue 15214 الأحد 26 رجب 1435 العدد
25-05-2014

الّلي ما عندوش (الزِّهَر)..!

المثقف والثورة.. الواقع والرهانات. موضوع حيوي جاد، ربما أنه يُطرح للنقاش لأول مرة على مستويات نخبوية عالية المستوى، ظلت تدور طيلة قرون وقرون في أفلاك أقطاب سياسية متباينة في مجملها، دون أن يكون لها تأثيرها، أو التقدير الذي تستحقه، أو المكانة المؤملة في مجتمعاتها.

هذا الموضوع الجديد في طرحه، تناولته جامعة (8 ماي 1945م قالمة) الجزائرية، قبل ثلاثة أسابيع، في ملتقى دولي كبير، ودعت إليه باحثين ودارسين من الجزائر ومن خارجها، وتمحورت الأبحاث الأربعين المقدمة حول المصطلح اللغوي ابتداءً، لتبحر بعد ذلك في عدة أبعاد تاريخية ونفسية وسياسية واجتماعية، في محاولة جادة للبحث عن إجابات مقنعة لأسئلة ملحة، تدور حول دور المثقف ومكانته في ثورات عدة شهدتها مجتمعات وشعوب في الشرق والغرب، وتشهدها المنطقة العربية على وجه خاص.

كنت في العادة أدخل ندوة من هذه وأخرج منها، وأنا أحمل الأسئلة ذاتها التي أوحى إلي بها عنوان الملتقى: ( المثقف والثورة.. الواقع والرهانات ). من هو المثقف المعني بالثورة هنا..؟ وما الثورة المعنية بالثقافة هنا..؟ وما الواقع الذي تفرضه الثورة وربما المثقف..؟ وما هي رهانات ثورة بمثقف أو بدون مثقف..؟

وحتى أكون واقعياً وعملياً حاولت أن أجهد نفسي في البحث عن المثقف العربي في مشهد الثورات العربية اليوم، أو أجد ثورة عربية واحدة في ثقافة المثقف العربي. لم أصل إلى نتيجة أو إجابات مقنعة، فالثورات التي شهدتها أوروبا في القرون الوسطى؛ قامت بكل تأكيد على فكرة ثقافية من رموز ثقافية حملت راية الجهاد ضد تسلط الكنيسة وبطش رجال الدين، ولكنها استخدمت (كارزما) شخصية خاصة في المثقف (المفكر) الأوروبي في وقتها ونجحت، لأن المجتمع كان في حاجة ماسة للتغيير إلى الأفضل، وفق مفاهيم فكرية ونمطيات ثقافية موزونة في معاييرها. وهذا تكرر وإن بشكل أقل وضوحاً في مناطق أخرى غير أوروبية.

وإذا بحثنا في منطقتنا العربية عن مقاربة ما لما حدث في أوروبا، فلن نجد هذه المقاربة المنشودة، اللهم إلا فيما وقع في الجزائر ربما، فقد وقف المثقف (المفكر) إلى جانب العسكري وقتها ضد المستعمر، والمطالبة بنيل الحرية، ووجد الشعب الجزائري (كارزما) خاصة في رموز فكرية ثقافية وعسكرية معاً، وحتى اجتماعية، وتحقق له مراده، بعد أن دفع مليون شهيد، منهم 45 ألف شهيد في يوم واحد في معركة واحدة سنة 1945م في ولاية قالما الجزائرية، حتى أن جامعتها الفتية هذه خلدت هذه الذكرى الأليمة في اسمها الطويل هذا: ( 8 ماي 1945م قالما).

وفي مصر نموذج مصغر ظهر فيه المثقف ضد المستعمر، ثم جاء العسكري ضد غير المستعمر، بـ (كارزما) محمد نجيب وجمال عبد الناصر. ما عدا ذلك لا يمكن أن نقول بأن هناك ثورة عربية قامت على فكرة ثقافية، أو (كارزما) ثقافية، وإنما كلها ثورات انتهازية، تقوم على فكرة سياسية مدعومة بقوة العسكر أو الخطاب الديني تقول: (قم لأقعد مكانك)..!

انظروا حولكم واحكموا يا سادة ويا سيدات: ما دور المثقف فيما يجري في تونس، ومصر، وليبيا، واليمن، وسوريا، على سبيل المثال..؟!

ما مكانة المثقفين عموماً في الثورات العربية، هل هم فاعلون أم مفعول بهم، أم متفرجون.؟!

في دارجة إخوتنا في شمالي أفريقية مثل يقول: ( الّلي ما عندوش الزِّهَر.. يقول فيه السِّحِر )، والزِّهر تعني الحظ.. فعديم الحظ يحاول تبرير فشله وأنه مسحور..! وهذا هو حال الوسط الثقافي العربي تحديداً، الذي يبحث عن مكان هنا وهناك، فلا يجد أدنى فرجة ينفذ منها لدائرة الضوء، لأن حظوظه معدومة، وحقوقه مهضومة، وهو في الغالب بين سندان السياسي ومطرقة الاجتماعي، فـلا السياسي أرضى، ولا الاجتماعي أرضى، ولا ذاته أرضى.

لم يكن هذا الملتقى العالمي الذي نظمته جامعة قالما في عنوانه مفاجئا، وإن كان مبتكراً، فالجزائر أنهت عملية انتخابية هادئة نوعاً ما، وظل الرئيس عبد العزيز بو تفليقة فترة رئاسية رابعة بأصوات الجزائريين، وله مؤيدون مثلما له معارضون. المفاجأة كانت في الفوز الذي حققه على خصومه، الذين قالوا بلسان المعارض (ابن فليس): بوجود تزوير في الانتخابات، حتى تصدى لهم أنصار الرئيس بالمثل قائلين: (الّلي ما عندوش الزِّهَر يقول فيه السِّحِر)..! وكان هذا محور آخر للنقاش خارج جلسات الملتقى، عندما قلت لبعض أصدقائي الجزائريين: أظن أن نتيجة الانتخابات صحيحة، الجزائريون اختاروا رئيسهم الحالي رغم كل الظروف، لأنهم لا يريدون خوض تجربة مأساوية كما يجري في تونس وليبيا ومصر على سبيل المثال. وافقني البعض منهم، وعارضني البعض الآخر.

ثم يبقى المثقف العربي دائماً؛ لا زِهَر له، ولا حظ في ثورة أو لا ثورة. هو فقط مواطن يغرم ولا يغنم، حتى لو اكتفى بالفرجة.

أتمنى لكم (الزِّهَر) السعيد دائماً في كل يوم وليلة.

H.salmi@al-jazirah.com.sa

alsalmih@ymail.com

مقالات أخرى للكاتب