Tuesday 26/05/2014 Issue 15215 الأثنين 27 رجب 1435 العدد
26-05-2014

العراق الجرح النازف إيلاماً -3-

في الحلقة الماضية من هذه المقالة أشير إلى مراقبة أعداء أُمَّتنا قوة العراق التي وضحت كُلَّ الوضوح بعد تَوقُّف الحرب بين ذلك القطر العزيز من أقطار هذه الأُمَّة وإيران،

وأنهم رأوا أنه لا بد من القضاء على تلك القوة العراقية، التي كانت الخطر الإستراتيجي الحقيقي على إسرائيل. وأشير، أيضاً، إلى إرسال صدام رئيس استخباراته إلى إسبانيا لمقابلة رئيس الاستخبارات الأمريكية للبحث معه حول مشكلة العراق مع الكويت. ومن الكتابات التي تناولت هذا الموضوع بالتفصيل والعمق كتاب المفكرة المخفية لحرب الخليج للكاتبين بيار سالنجر وإريك لوران.

ومشكلة العراق مع الكويت مشكلة قديمة. دخلت العراق تحت حكم الدولة العثمانية في القرن العاشر الهجري. كما دخلت الكويت وأجزاء أخرى من منطقة الخليج العربي. على أنه كان للكويت وضع خاص في ظلِّ تلك التبعيَّة. وحين تعاون من قادة العرب من تعاونوا مع بريطانيا وأُزيل حكم العثمانيين من البلاد العربية أصبحت بريطانيا هي المُتحكِّمة في العراق، وجعلت فيصل بن الحسين بن علي ملكاً عليها. وعَدَّت مملكة العراق الكويت تبعاً لها. على أن المملكة العراقية لم تقم بأيِّ عمل عسكري لتحقيق ما عدَّته حقاً لها. ولعلَّ من أهم أسباب عدم قيامها بذلك أن الكويت كانت قد وقَّعت اتفاقية حماية مع بريطانيا. وحين استقلت الكويت، عام 1961م، حاول عبدالكريم قاسم غزوها. لكن وقوف بريطانيا والمملكة العربية السعودية بالذات ضد محاولته أنهت تلك المحاولة.

وحين خرجت العراق -في عهد صدام حسين- من حربها الشرسة مع إيران كانت منهكة ماليّاً، وكانت أسعار النفط مُتدنِّية إلى درجة كبيرة. ومن أسباب ذلك التدنِّي إغراق كُلٍّ من الكويت والإمارات العربية المتحدة السوق بالنفط.

ومن الواضح أن صدام حسين؛ وهو الدكتاتور الذي أعمته شخصيته الهوجاء عن رؤية الأمور بأبعادها المختلفة، قد صَدَّق ما قالته أمريكا لرئيس استخباراته ثم ما قالته السفيرة الأمريكية في العراق، فأقدم على ارتكاب جريمة احتلال الكويت؛ وهو الأمر الذي كان من نتائجه جعل القضاء على قواته المُحتلَّة أمراً مُبرَّراً. على أن أمريكا وبريطانيا لم تكتفيا بذلك. بل قَرَّرتا القضاء على كُلِّ قوة العراق باحتلالهما لهذا القطر العربي المسلم. وكان من النتائج لعدوانهما المرتكب نهب ما نُهب من آثار العراق؛ لاسيما ما أراده الصهاينة من آثار موجودة في المتحف العراقي، ونهب كثير من خزائن مكتبات الجامعات وغيرها.

وكما صَرَّح جيمس بيكر، وزير خارجية أمريكا، بأن إقدام دولته على مهاجمة جيش صدام في عملية إخراج ذلك الجيش من الكويت كان لخدمة إسرائيل فإن رئيس أركان القوات الأمريكية صَرَّح بأن احتلال العراق والقضاء على بقية القوة العراقية كان لخدمة الدولة الصهيونية. وكان مما ارتكبه المحتلون للعراق، أيضاً، تدمير البنية الأساسية العراقية، والسماح للقوات المعادية لأُمَّتنا بأن تدخل من إيران إلى العراق بكامل أسلحتها. فكان ما كان من ترسيخ النفوذ الإيراني في العراق. ومن أكبر نتائج احتلال أمريكا وبريطانيا للعراق أن أصبح بريمر الحاكم الحقيقي له. وقد عمل هذا العدو دستوراً صاغ بنوده يهودي يعيش في أمريكا. وهو دستور يُكرِّس الطائفية والعرقية.

وكنت قد أشرت إلى شيء مما ذُكِر في هذه المقالة في أبيات من عدة قصائد. من ذلك أبيات من قصيدة عنوانها: «نَهرٌ من العجب»:

يا زماناً بات ممطره

إذ همى نهراً من العَجَبِ

كيف لا يبدو لناظره

ما بدا من جُرْمِ مُغتَصبِ!

سُلِّمت بَغدادُ في طبقٍ

- لعلوجِ الحقدِ- من ذَهبِ

وتَلظَّى في مرابعها

مستطيرُ الرُّعب من لَهبِ

وجَنَتْ صهيونُ ما حلمتْ

فيه من مُستَعذَبِ الأَربِ

ومن ذلك:

المشفقون على دار السلام عَلَتْ

وُجهوهم من مآسيها تجاعيدُ

جحافل الموت قد حَلَّت بساحتها

وضِيمَ في لا بيتها أهلها الصِّيدُ

وملتقى الرافدين المُستطابُ غدا

فيه لأقدام مُحتليه تَوطيدُ

أين المفر؟ وهل في الأُفْق من أَملٍ

يُرجَى؟ وهل يعقب التمزيق توحيد؟

ولقد أصبح المالكي رئيساً لمجلس الوزراء في العراق، وارتُكِب في عهده جرائم شنيعة. ومن تلك الجرائم ما ارُتِكب -وما زال يُرتَكب- ضد مدينة الفلوجة وفي الأنبار.

حَقَّق الله لأُمَّتنا النصر على أعدائها من داخلها وخارجها.

مقالات أخرى للكاتب