Friday 30/05/2014 Issue 15219 الجمعة 01 شعبان 1435 العدد
30-05-2014

التربية أولاً وقبل التعليم

اللقطة التي نقلتها قناة «العربية» عن الطلاب الأطفال الذين قاموا بتمزيق كتبهم الدراسية داخل مدرستهم، في تعبير عن الفرح بانتهاء الدراسة، يجب أن نقرأها كظاهرة كما يجب أن تُقرأ؛ ونستفيد منها كمؤشر على أهمية تقويم السلوك الإنساني في صناعة إنسان المستقبل؛ فمن الجلي أننا لا نُعير تقويم سلوك الطالب منذ النشأة ما يستحقه من رعاية واهتمام؛ ورغم أنّ الوزارة المعنية بالتعليم هي وزارة التربية أولاً ومن ثم التعليم، إلاّ أنّ تقديم التربية على التعليم، ظل شعاراً بعيداً عن الممارسة على أرض الواقع؛ ولعل هذه الحالة التي رصدتها كاميرا أحد الطلاب، وبثتها «العربية» تؤكد ما أقول؛ بل وربما أنّ من بين من مارسوا هذه التصرفات العنيفة، طلاب حازوا على أعلى الدرجات في الاختبارات، أي أنهم نظرياً متفوقون دراسياً، إلاّ أنّ من أهم مظاهر التعليم التلقيني والحفظي المعتمد في أساليبنا التعليمية أنّ ما يتعلمه الطالب من معلومات في المقررات المدرسية لا ينعكس بالضرورة على سلوكياته، ناهيك عن صقل عقله ومواهبه وتحفيزه على الاستنتاج أيضاً، فهو كجهاز التسجيل يُردد ما هو محشو فيه؛ وليس لدي أدنى شك أنّ مثل هذه الظاهرة تكررت ولو جزئياً في كثير من المدارس وليس في هذه المدرسة فقط، كما أنّ من المفروض أن نرصد دوافع هذه الحالة وبواعثها التربوية، ولا نرى فقط ما هو ظاهر على السطح.

في تقديري أنّ هذه الظاهرة تشير إلى أنّ التلميذ الطفل منذ نعومة أظفاره، يتربى - دون أن يعي طبعاً - على الميل إلى العنف، والتخريب، حتى عندما يريد أن يُعبر عن فرحته وابتهاجه يعبر عنها بعنف، وحينما يكبر ويشب تبقى هذه النزعة دفينة في أعماقه، لتعود وتظهر إما في الميل إلى العنف الأسري مثلاً، أو في ممارسة الهوايات الخطرة، والتخريبية، وغير المنضبطة، كظاهرة (التفحيط)، أو السرعة الجنونية، وكسر أنظمة السير ؛ أو أنها تُستغل من قبل آخرين، للأخذ بيد الشاب إلى ما هو أخطر ، كأن يُجند وهو في عمر المراهقة كعنصر فاعل في الأعمال الإرهابية، أو تشجيعه للمشاركة في ما يُسمى (الجهاد) في مناطق النزاعات في العالم، من قبل دعاة الفتنة المعروفين، ممن يُحرضون الشباب الغِر على ما يُسمى الجهاد، وهؤلاء - بالمناسبة - هم من يئن من جرائمهم شبابنا.

ورغم الكثير مما كتب عن ظاهرة الإرهاب والعنف والكراهية التي نعاني منها، إلاّ أنّ أغلب الكتابات تقريباً، أو على الأقل ما اطلعت عليه منها، كانت تعزو هذا الظاهرة إلى سببين رئيسيين، (المناهج والمعلم)؛ فلم أقرأ أنّ أحداً قد عزاها إلى أننا - أيضاً - لا نهتم كثيراً بالممارسة السلوكية المنحرفة والشغب داخل المدارس نفسها، ونسعى إلى تقويمها عملياً على أرض الواقع، قدر ما نهتم - فقط - بتدريس الطالب و(تلقينه) العلوم التي تُحددها المقررات؛ وهذه الحالة مثالاً على ما أقول؛ فأن يقوم الطالب بتمزيق كتبه المدرسية، بهذا العنف والبغض والكراهية، يعني أنه سيكون فيما بعد بمثابة العجينة الجاهزة لدعاة الإرهاب، ليشكلوه في المستقبل كما يريدون.

ولكي نعامل هذه الظاهرة العنفية بواقعية، فلا بد - أيضاً - من أن نأخذ بعين الاعتبار أنّ المدرسة هي جزء غير معزول عما يجري في المجتمع، فالطالب والمعلم وكذلك الإداريون، بل وحتى المشرفون ممن يراقبون سلامة توجهات الطلاب والمعلم، يتأثرون ويؤثرون بما هو سائد ثقافياً في المجتمع؛ فالمشاهد التي تمتلئ بها الفضائيات، ومواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت، عن العنف والقتل والتدمير، وبعضها يتم إخراجها بطريقة جذابة، وتحفيزية، سيكون لها بلا شك انعكاسات سلبية ليس على التلاميذ فحسب وإنما على المدرس والجهاز الإداري أيضاً؛ ما يجعل (التربية والتقويم) مسؤولية صعبة ومتداخلة، وربما مضنية، وتحتاج إلى تضافر جهود يأتي على رأسها البيت إضافة إلى المدرسة.

إلى اللقاء..

مقالات أخرى للكاتب