Thursday 05/06/2014 Issue 15225 الخميس 07 شعبان 1435 العدد
05-06-2014

كيكة انطباعية..

أثارت كيكة رسمتها سيدة سعودية، وجسّدها محل حلويات عن سيارة للهيئة في مطاردة لفتيات في سيارة أخرى، الحديث من جديد عن هيئة الأمر بالمعروف، وكان ضحية ظهور صورة الكيكة على صفحات الإعلام الاجتماعي، تسريح عامل الحلويات في المحل، لكن يبدو أن العامل والسيدة السعودية دخلا التاريخ، فقد كانت بالفعل محاولة لإطلاق فن الانطباعية في مدينة الرياض بعد حوالي 140 عاما من بداياته في مدينة باريس، وذلك كأول محاولة للقبض على مشهد واقعي في حياة الناس في المدينة.

الانطباعية أو التأثرية مدرسة فنية أوجدت في باريس، واسم الحركة الفنية مستمد من عنوان لوحة للرسام الفرنسي كلود مونيه، عن انطباع شروق الشمس، قام بإنجازها عام 1872 م، ولأنه كان أول من استعمل الأسلوب الجديد، فقد اشتق اسم المدرسة الجديدة من اسم لوحته الانطباعية، وهو أسلوب فني في الرسم يعتمد على نقل الواقع أو الحدث من الطبيعة مباشرة، وكما تراه العين المجردة بعيداً عن التخيّل والتحريف، وبسببها خرج الفنانون من المرسم، ونفذوا أعمالهم في الهواء الطلق، لكنهم تجاوزوا مرحلة الضوء والظل، عندما انتقلوا إلى مرحلة تجسيد مختلف أنماط الحياة العامة.

ارتبطت الانطباعية في الغرب في بداياتها بنقل الصور الجميلة من الطبيعة، واستخدم رسامو الانطباعية مصطلح القبض عند محاولة رسم اللحظات السعيدة بتفاصيلها، أو عند شد الانتباه للحظات الاسترخاء والاستمتاع في حياة الناس مثل لحظات الاستمتاع بإجازات أيام الإجازات في باريس، أو عندما يتمشى الناس على شواطئ نهر السين الجذابة، وحينما يجلسون في المقاهي والمطاعم المفتوحة، ولهذا فقد جاءت لوحاتهم مليئة بالضوء والجمال، وذلك تأثراً بمخيلتهم المزدحمة بالصور الأخاذة في بيئتهم الساحرة.

كان التغيير الراديكالي الذي أتي به الانطباعيون في الطريقة التي ينظرون بها إلى الطبيعة والعالم الخارجي، وكانت نظراتهم تواقة لنقل جمال الأشياء من حولهم إلى اللوحات بإحساس فني، لكن انتقالها إلى مدينة الرياض لم يأت من خلال ضوء الشمس والظل ودرجة تأثيرهما على الطبيعة، ولم يكن محاولة للقبض على لحظات السعادة والمتعة في حياة سكان الرياض اليومية، لكنها جاءت من ألم وكآبة ذكرياتهم في المدينة التي يعيشون فيها، ومن وحي تأثير لحظات واقعية وبائسة في شوارعها، وكان على رأس القائمة صولات رجال الهيئة في الأسواق والشوارع، ودرجة تأثيرهم على حياة الناس في مطارداتهم اليومية، وفي بعض انتهاكاتهم للحريات الشخصية.

كانت الكيكة الانطباعية تجسد تأثر العامة بأدوار الهيئة السلبية على حياتهم في السابق، وأقول في السابق، وذلك لإيماني أن ممارساتهم تحسنت كثيراً في ظل الإدارة الجديدة، لكن ذكريات مطاردتهم للفتيات والشباب في الأسواق لم تغب عن الذاكرة الاجتماعية هكذا بسهولة، كذلك يوحي عدم استنكار الناس لإساءة الكيكة للهيئة أن منزلة رجال الهيئة لم تعد كما كانت، وهو ما يستدعي إعادة النظر في إستراتيجية أدوارهم الاجتماعية، والقيام بدور تثقيفي وإعلامي لتقديم صورة مغايرة عن رجالها في الأيام القادمة، وذلك ليس فقط من أجل إعادة الوفاق مع الناس من خلال كسب احترامهم، ولكن من أجل أن تكون الصورة الانطباعية القادمة أفضل وتجسد انطباعا إيجابيا عن عمل الهيئة.

بعد ظهور أول تجسيد لفن الانطباعية في البيئة السعودية، قد تستمر محاولات التعبير عن الواقع في المدينة من خلال مدارس الفن الرفيع، وأن كنت أتمنى أن تكون في المستقبل عن لحظات جميلة في حياة سكانها اليومية، لكني أعتقد أن تلك الانطباعات عن الأشياء الجميلة ربما تتأخر كثيراً، لأن المخيلة الانطباعية للمواطن تزدحم بمشاهد كئيبة وبائسة، وسأنقل للقارئ آخر صورتين انطباعيتين ظهرتا في مخيلتي الطبيعية، ولا زلت أبحث عن رسام يجيد ذلك الفن من أجل نقلهما إلى لوحات معبرة..

أحدهما منظر لمدينة مكتظة بسكان أغلبهم «متلطمين»، إما كحماية من فيروس الكورونا المتطاير من حظائر الإبل حول مداخل المدينة، أو كوقاية من رياح الغبار والتلوث البيئي المتشبعة بها أجواءها بسبب وجود مصانع الأسمنت والجبس والبلاط داخل أسوارها، والأخرى عن مقاهي تنتشر على أطراف المدينة، وتتكون من غرف صغيرة لا تتجاوز مساحة كل غرفة مترين، ويجلس في كل غرفة مغلقة شاب يلبس بجامة، ويضع على رأسه طاقية، ويدخن «شيشة»..

مقالات أخرى للكاتب