Friday 06/06/2014 Issue 15226 الجمعة 08 شعبان 1435 العدد
06-06-2014

تريب الذلال

عندما كنا صغاراً كثيراً ما كانت تنشب خلافات ومشاكل بسيطة يمكن حلها بيسر وسهولة، لولا وجود طرف ثالث يضع في بطن يده قليلاً من التراب - في وجه العدو - ويقف بين الطرفين اللذين ما زالت المشادة بينها كلامية غالباً وبسيطة في الأعم، وكلٌ متخوّف من الآخر وإن كان يظهر خلاف ذلك، ثم يبدأ يحمسهما للمنازلة وهو يكرر لفظة « تريب الذلال « حتى تصل لحظة الانفعال عند أي من الطرفين فيضرب يد «معول الشر هذا» من أسفلها ليطير التراب في وجه من يقف في الضد، وسرعان ما تنشب «الخنقة» والمتفرجون يصفقون ويحمسون، وإذا لم يأت كبير يوقف هذه المعركة المفتعلة، فسوف تستمر حتى يصاب أحدهما وربما كليهما بأذاء وقد يستفزع أحد المتخاصمين بمن حوله من أصدقائه فتتسع الدائرة ويصير من الصعوبة إطفاء نارها، وما أن تنفض أحداث هذه « الهوشة» حتى يقوم من أجّج لهيبها بالذهاب تطوعاً لكل طرف على حدة دون أن يعلم به أحد من الرفاق مدعياً الإصلاح، وهو في حقيقة الأمر يحاول أن يجد ثغرة ينفذ منها ليعود الصراع من جديد ويستمر الخلاف، وتكون الصدامية بين الطرفين مرة ثانية، فيحلو الجو للاستمتاع بمشهد الأقارب والأقران وهم يخوضون معركة صبيانية خاسرة.

هذا المشهد الطفولي البسيط في الزمن الماضي القريب، والذي كثيراً ما يتكرر عند خروجنا من المدرسة، هو هو بكل تفاصيله وبجميع تداعياته ما يحدث في عالم اليوم، سواء من قِبل صنّاع القرار أو داخل قاعات الاجتماعات التشاورية سياسية كانت أواستخباراتية أو عسكرية أو ..!.

قد لا يكون هذا الإنسان الذي لعب دور المؤجّج للصراع، المعزّز للمنازلة، يملك مقوّمات الوجود الحقيقي والفاعل في دائرة المجموعة التي ينتمي لها، فضلاً عن أن يُعَد من «فتوات الحي» وأصحاب التاريخ المسّطر بالأعمال البطولية حسب مقاييسنا نحن الصغار آنذاك، وقد لا تكون فعلته هذه وحمله التراب في يده مبادرة منه، بل ربما وظف من قِبل عدد من المتفرجين، أو حتى من هم خارج الحارة من أجل زعزعة الثقة داخل هؤلاء الرفاق، الذين غالباً ما يدرسون في مدرسة واحدة وتربطهم علاقات رحم، وقد يكون الطرف المساق جبراً لدخول حلبة المواجهة لم يعرف عنه السوء، ولا يسعى إلى دخول نادي الأشرار ويسجل في قائمة المنازلين يوماً ما، خاصة عندما يكون المواجه له أحد أبناء عمه القريبين منه.

في خليجنا الغالي هناك من يلعب دور الطرف الثالث، ويوظف إعلامه المرئي والمسموع في تأجيج الصراع وإشعال نار الفتنة داخل أوطاننا وللأسف الشديد، وربما وظف بصورة أو بأخرى لسوق بلادنا المملكة العربية السعودية إلى دخول دائرة المنازلة التي لا يتمناه أحد.

إن لغة العقل والمنطق تقول إن هذا السيناريو سيكون وبالاً على هذا الطرف الثالث قبل غيره، فقد يضرب يده كلا الطرفين في وقت واحد فيطير التراب بوجهه هو ويلحق به الأذاء قبل أن يصل للآخرين.

المرحلة التي نمر بنا لا تحتمل وجود من يؤجج ويعزز الصراع في المنطقة، بل إننا أشد ما نكون إلى من يهدئ النفوس ويسعى للإصلاح الحقيقي ويجمع الكلمة ويوحد الصف، ليس لمصلحة طرف دون آخر، بل لمصلحة الجميع، فنحن بمثابة الحي الواحد الذي يقطنه أبناء عمومه وأقارب وأحباب منذ سنوات، وحتى لا تغرق السفينة فنهلك جميعاً لابد أن نستمع لصوت العقل ولا تجرنا العواطف والوعود المعسولة، حفظ الله خليجنا، وحمى أوطننا، ووقانا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأدام علينا أمننا، وأمد بأعمار قادتنا وجمع كلمتهم على الحق.. اللهم آمين، دمتم بخير وتقبلوا صادق الود وإلى لقاء والسلام.

مقالات أخرى للكاتب