Saturday 07/06/2014 Issue 15227 السبت 09 شعبان 1435 العدد
07-06-2014

ثقافة أعطه ألف درهم يا غلام واضرب عنقه يا غلام!

من الثقافة العربية، تفرد شيخ القبيلة بمنح من يشاء وحرمان من يشاء من المال العام أو من ماله الخاص الذي غالبا ما يكون مصدره من المال العام، أصلا أو إرثا. وجاء الإسلام فنظم المصروفات العامة وخصص مورد المصروفات «النثرية» التي يمكن أن تُصرف من أمير المسلمين في أحوال خاصة على أشخاص معدودين لمنع شرهم أو استئلاف قلوبهم فيما ينفع الدولة المسلمة.

وشواهد ذلك في السيرة النبوية أكثر من ان تحصى، واظهرها عطايا الرسول عليه السلام -بعد حنين- لسادات قريش والعرب وحرمان الأنصار منها، حتى وجدوا في أنفسهم على رسول الله، فأعطاهم نفسه الشريفة فرجعوا به إلى ديارهم، فرجحت عطيتهم عطايا العالمين من الأولين والآخرين. وخلف الخلفاء الراشدين على مال المسلمين، وقد أصبح الإسلام عزيزا، فضبطوا مال المسلمين ومنعوا المنح والعطايا. وتعاقبت من بعدهم الدول بلا استثناء - إلا في حالات فردية نادرة وقصيرة جدا- فوقعوا في أموال المسلمين ودمائهم، فاستباحوها في الصراع على السلطة والنفوذ، أو في التلذذ بملذات الدنيا وشهواتها. وأصبحت عبارة « أعطه ألف دينار يا غلام، أو اقطع رأسه يا غلام» - وما في معناها- لشاعر أو متحدث أو نحوه، من الجمل الأساسية التي لا يخلو منها كتاب سيرة أو أدب، وهي غالباً ما يُستشهد بها في سياق المدح والثناء على المُعطي والقاتل، وبخاصة إذا كان من الخلفاء أو الأمراء الذين لهم دور مشكور ومحمود في جوانب أخرى.

وفي العصر الحديث، حرص التعليم العربي الحديث على اتباع نفس نهج الأولين في إبراز المحاسن وتعظيمها، دون التطرق مطلقاً إلى المساوئ والانتهاكات الصارخة للأموال والدماء والحريات. وعلى هذا تأسست ثقافة الشعوب العربية، وتشربت بها دماؤهم، فتخلفت ثقافة النقد عند العرب وغلبت ثقافة الثناء. فتعطلت العقول العربية والإسلامية عن التفكير المنطقي الحر، فأصبح العقل العربي يتخير من الأخبار -سواء أكانت حقائق أم أكاذيب- ما يناسب توجهه ورأيه ويتجاهل أو يكذب أو ينكر حقائق وأخباراً واضحة وضوح الشمس، إن لم تكن على رأيه أو لم يسمع بها. ونتج عن هذا أن العرب أصبحوا لا يرون نقد الشيء إلا دليلا على فساد هذا الشيء، أو أنه نقده من المؤامرات على الدين أو البلاد والعباد. ولذا ترى الإعلام العربي وكثيراً من المثقفين العرب وأساتذة الجامعات فضلا عما يسمى بالشرعيين، يتلقون نقاشات الغرب في نقد أوضاعهم على أنها دليل فساد حياتهم ومعيشتهم، ويتجاهل حقيقة ما هم عليه من الهيمنة العالمية في غالب أمورهم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. فمن يستمع مثلاً إلى الإعلام الأمريكي قديماً وحديثاً، وهو بعقلية عربية تفخر بقائل « أعطه ألف دينار يا غلام واضرب عنقه يا غلام» يعتقد أن أمريكا منهارة اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وصحيا وأمنيا. وما درى أنهم يسعون للكمال والكمال مستحيل المنال، ولكن السعي إليه يقرب الساعي منه. فهم كانوا ومازالوا في تصحيح أخطائهم وتحسين نجاحاتهم وتطوير انجازاتهم.

وأما المُخدر بأساطير الكمال التاريخية وأهازيج المدح والثناء لواقعه الحالي والأحلام الوردية المستقبلية، فهو قابع في حفرة من الحفر المهجورة في مقابر النسيان.

لا نقد في ثقافة العرب، فإما ثناء مطلق أو ذم مطلق، فثقافة العرب لا تعرف التوسط، وفي هذا قال أبو فراس:

ونحن قوم لا توسط عندنا

لنا الصدر من العالمين أو القبر.

hamzaalsalem@gmail.com

تويتر@hamzaalsalem

مقالات أخرى للكاتب