Saturday 07/06/2014 Issue 15227 السبت 09 شعبان 1435 العدد
07-06-2014

المكتبة السويدية بوصفها منزلاً

في السويد، ثالث أكبر دولة أوروبية، ومن أقلها سكاناً، يتوزع ما يقارب 9.5 مليون نسمة على أراضيها، بمعدل 23 شخصاً لكل كيلو متر مربع، مقارنة مع دول الاتحاد الأوروبي، الذي تبلغ النسبية فيه أكثر من 100 شخص، وهذا بالطبع يسهم في التخطيط الهادئ المتزن، خلافاً للدول التي تعاني من الكثافة السكانية، ومن معدل النمو المتصاعد في حجم السكان.

ومن أجمل ما في السويد اهتمامهم الكبير بأدب الطفل، بطريقة تدعو إلى الإحباط عند مقارنتها بالدول العربية عموماً، وبالمملكة على وجه الخصوص. وحين أحدد المملكة فلأنها بلادي، ولأنها تمتلك الكفاءات البشرية والثروات المالية القادرة على إنجاز مشروعات متميزة للأطفال والشباب، خاصة أننا من أكثر دول العالم في حجم فئة الأطفال والشباب قياساً بالفئات العمرية المختلفة؛ إذ تزيد نسبة هؤلاء على 60 % من إجمالي السكان؛ وبالتالي فنحن بحاجة ماسة إلى تأسيس مشروعات جادة لهم، وأيضاً إلى جهات عدة تشرف عليها، وإلى مجلس أعلى للطفولة، يقوم بالإشراف العام على كل هذه المنجزات.

هناك في السويد تجد معملاً للتصميم، يلتحق به الأطفال بين السادسة والثالثة عشرة، يتعلمون تصميم كل شيء، الأثاث، والمصابيح، والأواني وغيرها؛ كي تجتذبهم الشركات فيما بعد، لتصميم منتجاتها وتسويقها بشكل مميز. هذا المعمل يزوره الأطفال في العطل الأسبوعية، ويكتشفون مهاراتهم ومواهبهم فيه، كما يستضيف المعمل مصممين عالميين، يقابلون الأطفال السويديين، ويناقشونهم.

ومما يلفت النظر أن مكتبات الأطفال العامة في السويد ليست مجرد مكتبات فحسب، لا تحتوي على الكتب الورقية والإلكترونية فقط كما نعرف عربياً، بل هي عالم مدهش، يقضي فيه الطفل يومه كاملاً دون ملل، وعلى مختلف فئاته العمرية. ففي هذه المكتبة، مثلاً، هناك أقسام عدة للفئات العمرية المتنوعة، من صفر إلى عامين، ومن ثلاثة إلى ستة أعوام، ومن سبعة إلى تسعة أعوام، ومن عشرة إلى ثلاثة عشر عاماً. ولكل قسم تصميمه الخاص مراعاة لشروط سلامة الأطفال، ففي هذه المكتبة يمارس طفل المرحلة الأولى الحبو بصحبة والده أو والدته، وحوله الكتب المرسومة، هو لا يقرأ طبعاً، لكنه يتآلف مع الكتب ويصادقها منذ طفولته المبكرة جداً.

في هذه المكتبة يتعلم الطفل الاعتماد على نفسه، يصعد سلماً صغيراً محاطاً بالدرابزين، لتعليمه صعود الدرج.. يحرك سلماً مثبَّتاً بأرفف الكتب؛ كي يصعد بنفسه لجلب كتاب.. يدخل مغارة صغيرة، داخل المكتبة، بل هناك غرفة شبه مظلمة بسقف أسود مليء بمصابيح صغيرة جداً تشبه النجوم، هذه الغرفة لقول القصص الشفهية، تحكيها سيدة متخصصة في القص الشفاهي، أمام الأطفال الجالسين على مقعد طويل نصف دائري.

في ركن من المكتبة ثمة مرسم رائع، يدخل الأطفال فيه، يمارسون الرسم، ويشرف عليهم متخصصون في الفن التشكيلي؛ لتبدأ لحظة صقل المواهب في مرحلة مبكرة من الطفولة.

أما قسم الأطفال الأكبر، بين العاشرة والثالثة عشرة، فهو مستقل ورائع بشكل كبير، ففيه مسرح صغير، يؤدي فيه الأطفال مسرحياتهم الخاصة، بل حتى المطبخ وطاولة الطعام الجميلة متوافرة ضمن هذا القسم، بمعنى أن الطفل لا يشعر بالغربة، فهو بشكل أو بآخر، يقضي وقته في مكتبة تشبه منزلاً، أو منزل يشبه مكتبة!

يتبع...

مقالات أخرى للكاتب