Monday 09/06/2014 Issue 15229 الأثنين 11 شعبان 1435 العدد
09-06-2014

فَقْد معالي الدكتور الخويطر

في يوم الأحد السادس والعشرين من رجب 1435هـ انتقل إلى رحمة الله معالي الدكتور عبد العزيز بن عبد الله الخويطر عن عمر يناهز التسعين عاماً هجرياً. وفَقْده خطب جلل لدى أحبابه وكُلِّ المخلصين لوطننا العزيز..

وفي طليعة من تَحدَّثوا عن فقده معالي الأستاذ الكريم محمد بن عبد الله الشريف، رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد! وذلك في كلمة نُشِرت في هذه الصحيفة بتاريخ 28-7-1435هـ؛ وعنوانها: «مات رمز من رموز النزاهة». ومما قاله عن الفقيد:

« بانتقاله إلى رحمة الله خَلَّد تاريخاً حافلاً مديداً من العطاء الوطني المُفعم بالأمانة والإخلاص والنزاهة والحكمة والبصيرة والوطنية والعفة والحياد».

ودلَّل على ما وصف به الفقيد بمثلين أحدهما يَدلُّ على البصيرة، والآخر على الأمانة والإخلاص.

ولي علاقة خاصة بالفقيد، رحمه الله. كنت في السنة الأولى من كلية الآداب. وللشباب اندفاعه، بل وطيشه أحياناً. فكتبت مقالة أنتقد بها طريقة تدريس أساتذة الكلية لنا. فغضب بعضهم كُلَّ الغضب. وقَرَّر مجلس الجامعة فصلي عن الدراسة. وكان الأستاذ أحمد زكي يماني حينذاك يلقي محاضرات على طلاب كلية التجارة. فرجوه أن يشفع لي وأُعاد إلى الدراسة. فقال لهم : - وأنا أسمع وهو لا يعرفني - « يا بوي اللِّي يسب الجامعة معناه يسب الدولة». ثم كلَّموا معالي وزير التجارة حينذاك أحمد صلاح جمجوم بالموضوع. فقال - وأنا أسمع وهو لا يعرفني - « أنا أكلِّم الأستاذ ناصر المنقور، (وكان المنقور حينذاك مسؤولاً عن الشؤون الإدارية للجامعة) إن شاء الله ولا يكون إلا خير». وكلَّمه، وكانت نتيجة ذلك خيراً. فقد تَقرَّرت إعادتي إلى الدراسة بشرط أن يسمح الأساتذة بذلك. ولم تكن طِيبةُ الأساتذة الكرام لتحول دون ذلك السماح.

ولم تمرَّ شهور على تلك الحادثة حتى أتى الدكتور عبد العزيز الخويطر، وعُهِدت إليه إدارة شؤون الجامعة؛ أميناً عاماً في البداية، ثم وكيلاً. فأراد النهوض بالجامعة، وأُحدْثت وظائف لذلك الغرض. وكنت ممن نجحوا في شغل إحداها. لكن الدكتور الخويطر فَضَّل أن أكون سكرتيراً عنده. فعملت لديه سكرتيراً. وكنت أول سكرتير يعمل لديه. وكان مكتبي معه في مكتبه نفسه. وإذا جاءه من يستحسن انفراده به خرجت من المكتب حتى يغادر الضيف.

ومن اللطائف أن الفقيد، رحمه الله، سمح لي أن أحضر درس اللغة الإنجليزية، الذي كان يلقى صباحاً، لكنه اشترط أن أداوم ليلاً دون مكافأة خارج دوام بحيث - كما كان يرى فيما يبدو - أنال مرادي، لكن ليس على حساب الجامعة. ولقد جعلني أحضر جلسات مجلس الجامعة؛ وهو المجلس الذي سبق أن تَقرَّر فيه فصلي من الجامعة، وأن أكون المُقرِّر لتلك الجلسات الكاتب لمحاضرها. وبعد أن حصلت على الدكتوراه من جامعة أدنبرا عام 1972م، وأصبحت أستاذاً في قسم التاريخ ظلَّ الدكتور الخويطر أستاذاً لي ومُشجِّعاً على البحث، أكرم الله مثواه.

ولقد أُشير إلى كرم الفقيد، رحمه الله. وممن أشار إلى ذلك الأستاذ الموسوعي أبو عبد الرحمن بن عقيل. وأذكر، أيضاً، أن أحد العاملين لدى الفقيد كان يعمر منزلاً له فتأخَّر عن الدوام شيئاً ما لانتظاره من كان سيحضر الإسمنت. وكان الإسمنت لا يُحصَل عليه بيُسر. وكان ذلك العامل يظن أن الدكتور الخويطر، رحمه الله، سيعاقبه ويُوبِّخه. لكن الدكتور بدلاً من ذلك لاطفه وذهب إليه بنفسه عصر ذلك اليوم وهنأه على حسن تفصيله للمنزل. وقبيل انصرافه عن ذلك المنزل الذي يُعمَّر، ناول العامل شيكاً بمبلغ خمسين ألف ريال. وهذا المبلغ له حينذاك ما له من قيمة ووزن.

ومن الصفات الحميدة للدكتور الخويطر - أدخله الله فسيح جناته - أن مجالسه حافلة بكُلِّ ما هو شَيِّق ومفيد، وأن كُلَّ فرد في المجلس يشعر كأن الحديث مُوجَّه إليه، فلا يشعر إلاَّ بالمتعة والسرور. وفي تلك المجالس لا يسمع سباب أو اغتياب لأيِّ إنسان.

وإذ كانت هذه الكلمة المختصرة عن فَقْد المرحوم معالي الدكتور الخويطر قد استُهِلَّت بشيء مما قاله، وأجاد، معالي الأستاذ محمد الشريف فلعلَّ من المستحسن اختتامها ببعض أبيات جميلة نشرها في هذه الصحيفة، يوم الاثنين الماضي، صديقي العزيز وأخي الوفيُّ الشاعر سليمان الشريف؛ وهي:

قالوا: لقد مات الخويطر. قلت: لا

إنَّ الخويطر في القلوب مُخلَّدُ

ما مات من وسِعَ الجميع بحلمه

وعن الإساءة و الهوى يَتجرَّدُ

ما مات من فيه النزاهة خصلةٌ

الكُلُّ يعرفه بها و يُمجِّدُ

ما مات من خدم البلاد بِهمَّةٍ

وعزيمة وقَّادة لا تَخمدُ

ما مات من بالحق يصدع دائماً

وبنصرة المظلوم لا يتردَّدُ

ما مات من أفكاره بَنَّاءة

وإليه في حَلِّ المشاكل يُعهَدُ

ما مات من فيه الأمانة تزدهي

وتقول: إني بالخويطر أسعدُ

ما مات من أبقى لنا من بعده

شَهماً بكل صفاته يسترشدُ

إن مات حِسًّا فهو معنى لم يمت

إنَّ العظيم على الزمان يُخلَّدُ

لا تحسبوا أني جمعت خصاله

فهناك أشياء بها يَتفرَّدُ

تَغمَّد الله الفقيد معالي الدكتور عبد العزيز الخويطر برحمته، وأسكنه فسيج جناته.

مقالات أخرى للكاتب