Monday 09/06/2014 Issue 15229 الأثنين 11 شعبان 1435 العدد
09-06-2014

عبدالله بن عبدالعزيز .. مبادئ راسخة ونيّة صادقة

طالعت باهتمام شديد، برقية خادم الحرمين الشريفين، الملك الصالح عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، حفظه الله ورعاه وأدام عليه لباس الصحة والعافية، التي وجهها لأخيه المشير عبدالفتاح السيسي، رئيس جمهورية مصر العربية، يهنئه فيها بفوزه في الانتخابات الرئاسية، التي حملتها إلينا الصحف الصادرة يوم الأربعاء، السادس من شعبان 1435هـ، الموافق الثالث من يونيو 2014م.

وصحيح أن ما جاء فيها من معانٍ سامية، ومحبة صادقة لمصر وأهلها وقيادتها، أمر يعرفه الجميع عن هذا الرجل الصالح، الذي ينشد الخير والمحبة والسلام للعالم أجمع. فقد سمعناه يؤكّد في كل أحاديثه، حتى قبل ولايته للعهد، أن العالم العربي والإسلامي يجب أن يكون وحدة واحدة، يساعد بعضه بعضاً في عالم تسارعت فيه وتيرة الشر بشكل مزعج. ويرى أن دولة عربية إسلامية مهمة، مثل مصر، يجب أن يكون لها دور مهم في تحقيق الخير والاستقرار والأمن والسلام في العالم كله، فهي واسطة عقد العروبة.

ولهذا، سوف يدرك كل من يراجع خطبه وكلماته ويقرأها بعين فاحصة، تأكيده حفظه الله، على دور مصر المحوري في العالمين العربي والإسلامي، وبالتالي في استقرار العالم. وسوف أسوق هنا بعض نماذج لأحاديثه عن مصر وتأكيده لأهميتها وحرصه عليها وعلى شعبها، وإدراكه لثقلها السياسي، وما يمكن أن تضطلع به من دور مهم إذا صلحت النوايا.

وقد أكد، حفظه الله، في حديث له لوكالة الأنباء الكويتية في 17-2-1404هـ، أن: (الشعب المصري شعب أصيل في عروبته، أصيل في إسلامه، أصيل في تحسسه وجميع أشقائه من شعوب الأمة العربية، ولا يمكن لنا أن ننسى ما لمصر من وزن بشري وقدرة عسكرية، ومكانة في تاريخنا العربي) مضيفاً: (لا خلاف أن للشقيقة مصر مركزاً إسلامياً مرموقاً ووزناً عربياً متميزاً).

ويتواصل تأكيد خادم الحرمين الشريفين لدور مصر الرائد في كل مناسبة تقريباً، إذ أكد في حديث له لصحيفة السياسة الكويتية في 22-5-1408هـ، أثناء انعقاد القمة الثامنة لقادة دول مجلس التعاون الخليجي أن: (مصر كانت، وما تزال وستبقى، في غاية الأهمية بالنسبة للعروبة والعرب، وبالنسبة للإسلام والمسلمين، فالعروبة تتكامل وتكتمل بمصر، ومصر لا تتكامل ولا تكتمل إلا بالعروبة، والإسلام، وإن ما يربطنا بمصر ليس برباط مصلحة أو ظروف، ولا حتى جوار، بل إنه وشيجة الأخوة الصادقة في الضراء قبل السراء).

والحقيقة، اهتمام قادة هذه البلاد الطاهرة، بالعالمين العربي والإسلامي، ليس وليد لحظة محددة، أو سعياً لتحقيق مصلحة ما، بل هو سياسة راسخة ثابتة ترتكز على دستورها القائم على الكتاب والسنَّة، ومسؤولية مشتركة تسعى لتحقيق الخير للجميع، غير قابلة للعبة التوازنات السياسية والمصالح الشخصية الضيقة. وتجد هذا التوجه راسخاً في مفهوم كل قادة هذه البلاد. كما أكد خادم الحرمين الشريفين، حفظه الله ورعاه، لصحيفة أخبار الأسبوع الأردنية في 11-7-1409هـ: (إن سياسة المملكة العربية السعودية، منذ اليوم الأول لتجسيدها في الميدان الدولي، كانت ولا تزال، تتبع دون كلل أو ملل، هدفاً واحداً، هو وحدة العرب هدفاً وصفاً، لإيماننا الراسخ بأن الوحدة هي سبيلنا إلى كل رفعة وخير). ويضيف في تصريح له في الدوحة، أثناء اجتماعات الدورة السابعة عشرة لمجلس التعاون، في 26-7-1417هـ: (نحن في هذا الجزء المهم من العالم العربي والإسلامي، ركاب سفينة واحدة، وأهل بيت واحد، لا مكان لنا ولا زمان في ذاكرة التاريخ خارج هذا الواقع، حقيقة ثابتة لا نحسبها على الذكريات، بل يتمثل فيها فهمنا للواقع ولمستجدات العصر وتبدلاته). ويؤكد سياسة بلادنا لسفراء الدول العربية والإسلامية المعتمدين لدى بكين خلال استقباله لهم عند زيارته الصين في 27-6-1419هـ: (الملك عبدالعزيز وأبناؤه من بعده، قد نذروا أنفسهم خداماً للأمة الإسلامية وللأمة العربية، ولهذا لا يمكن أن نخطو خطوة للمملكة العربية السعودية فقط، فكلكم معنا جميعاً، إسلامياً وعربياً).

وثمة أمر هنا غاية في الأهمية، يجب التنبيه إليه، إذا إن قادتنا حفظهم الله، لا يرهنون هذا الدور وتلك المسؤولية بهذا الزعيم أو ذاك، لأنهم يرون أن تلك شؤون داخلية لكل دولة، لشعبها الحق في أن تنصب هذا حاكماً عليها أو تخلع ذاك، فالأمر عندهم يتعلق بإرادة الشعوب والأمة كلها، فهي التي تقرر من يحكمها من بين أبنائها. وهذا أمر جلي في سياستهم مع الجميع. وكلنا نذكر جيداً تحذير خادم الحرمين الشريفين حفظه الله ورعاه المدوي، الذي أطلقه يوم ثورة 25 من يناير في مصر على الرئيس الأسبق حسني مبارك: (لا مساومة على أمن مصر واستقرارها). وكرر الشيء ذاته، لأنه مبدأ راسخ في تفكيره ومسؤوليته، يوم اندلعت أحداث الثلاثين من يونيو التي انتهت بخلع الرئيس السابق الدكتور محمد مرسي، واستيلاء الجيش على الحكم: (لا مساومة على أمن مصر واستقرارها).

ويتأكد إيمان قائد مسيرتنا حفظه الله، بوحدة مصير الشعوب وحقها في تسيير أمورها في كل أحاديثه، استدل هنا بنموذج واحد من إجابته عن سؤال لمجلة الحدث الفرنسية في 2-5-1405هـ: (إن رؤية أولئك الذين يعتقدون بأن العالم العربي في حال من تدهور مصيري لهي رؤية خاطئة، فالخلافات السائدة بين الحكومات العربية هي أعراض وليست بجوهر، فالجوهر هو الأمة العربية، ولا شك أن المتأمل في أوضاع الأمة العربية وفي أحوال شعوبها، يلمس أن الشعوب العربية تزداد كل يوم تقارباً وتمازجاً وتفاعلاً، وبالتالي تعاوناً وتوافقاً وتماسكاً).

وفي هذا السياق، يمكن فهم إشادة الشعب المصري بكل شرائحه، بمضمون البرقية التي بعثها خادم الحرمين الشريفين للرئيس المنتخب عبدالفتاح السيسي، التي أقول عنها إنها وثيقة شاملة للحكم والإدارة.

وكما أسلفت، شواهد اهتمام قادتنا وقناعتهم بوحدة هدف الأمة العربية والإسلامية ومصيرهما، لا تعد ولا تحصى، غير أنني أجد في تصريح مقتضب لخادم الحرمين الشريفين، أدلى به لوسائل الإعلام في 12-2-1404هـ، وهو يتأهب لزيارة الكويت، إيجازاً في بلاغة نادرة، لرؤية واضحة وسياسة راسخة ونيّة صادقة، واستشعاراً للمسؤولية العظيمة تجاه الأمتين العربية والإسلامية، انطلاقاً من رسالتنا التي نشأت على أساسها دولتنا. ولهذا رأيت أن أورد هذا التصريح هنا كاملاً: (إنني سعيد غاية السعادة بالدعوة الكريمة التي وجهها إليَّ أخي الكريم سمو ولي العهد لزيارة الكويت الشقيق، علماً بأنني لا أعدّ نفسي زائراً، بل قادماً للقاء الأهل والإخوان في كويتنا العزيز، فالمرء لا يزور وطنه، إنه يقيم روحاً في جميع بقاعه، وإن كان يتنقل جسداً في بعض أرجائه، ولا خلاف أن لنا معشر الكويتيين والسعوديين، وطناً واحداً، وعالماً وحيداً، إنهما الوطن العربي والعالم الإسلامي، شأننا في ذلك شأن جميع الأقطار العربية والإسلامية، ولاسيما دول مجلس التعاون الخليجي، حيث جعلها ميثاقها نواة للوحدة العربية ومنطلقاً إلى الاتحاد الإسلامي، ولذلك فليس ثمة وطن أول ولا وطن ثانٍ ولا وطن كبير وآخر صغير؛ بل إن لنا جميعاً وطناً واحداً وعالماً وحيداً، وطننا العربي وعالمنا الإسلامي، كما أنني لا أرى في قدومي إلى الكويت الشقيق، فقط فعل ترسيخ لجذور تاريخنا المشترك، ولا فقط فعل إيمان بمصيرنا المشترك، ولا فقط فعل ملاحقة لآمالنا المشتركة؛ بل أرى فيه استمراراً لمسيرتنا على الطريقة التي شقها لنا أجدادنا من قبلنا، وحدوداً اتجاهها وعينوا أهدافها؛ فتاريخنا واحد بحكم السياسة، ومصيرنا واحد بحكم الأخوة، لا بحكم الظروف، وآمالنا واحدة بحكم المبادئ، لا بحكم المصالح؛ ولذلك فإننا حينما نلتقي، لا نبحث عما نريد، فنحن نعرف ماذا نريد، بل نبحث عن أفضل الوسائل لتحقيق ما نريد، فإرادتنا واحدة وطريقنا واحد وغايتنا واحدة، ألا هي مجد العروبة بعزة الإسلام).

أعود مؤكداً من جديد، أن سياسة قادتنا الأماجد حفظهم الله ورعاهم، ليس تجاه مصر وحدها فحسب، بل تجاه الأمتين العربية والإسلامية، مستمدة من دستور بلادنا القائم على الكتاب والسنَّة الذي يؤكد أن الإسلام أعظم رسالة إصلاحية عرفتها البشرية عبر تاريخها الطويل؛ ولهذا سوف نظل ننشد الخير والمحبة والعدل والأمن والسلام لإخوتنا في كل مكان، بل للعالم كله. ويؤكد هذا أن بلادنا، رعاها الله، منذ نشأتها، لم تكن في يوم ما سبباً في أية مشكلة، لأية دولة على الإطلاق، صغرت تلك الدولة أم كبرت، بعدت أم قربت، بل ترتكز سياستنا على مساعدة القوى المحبة للخير والسلام على توفير الأمن والاستقرار بالمنطقة.

أقول، ربما كان الجميع يشاركني في كل ما سبق، ولم يجد أحد فيه جديداً، لأن قادتنا عودونا على الوضوح وتسمية الأشياء بأسمائها، ولهذا فسياستهم معلنة، لأنها واحدة وثابتة في السر والعلن.

غير أنني أرى أن برقية خادم الحرمين الشريفين تلك، للمشير عبدالفتاح السيسي، اشتملت على أمرين غاية في الأهمية، لا بد أن الجميع توقف عندهما، وتأملهما بإعجاب شديد وتقدير كبير لهذا الرجل الصالح، عبدالله بن عبدالعزيز.

الأول: الدعوة التي وجهها حفظه الله، للجميع إلى عقد مؤتمر لأشقاء مصر وأصدقائها لمساعدتها في تجاوز أزمتها الاقتصادية، وتأكيده على أنه لا مكان بيننا لكل من يتخاذل اليوم عن تلبية هذا الواجب وهو قادر مقتدر، بفضل من الله. وسوف يجد كل متخاذل نفسه وحيداً إذا ألمت به المحن وأحاطت به الأزمات. مناشداً الجميع عدم التدخل في شؤون مصر الداخلية. وهو إذ يبادر إلى الدعوة لهذا المؤتمر، يدرك جيداً أن جميع مؤتمرات المانحين التي سبقت الدعوة إليها في العالم، كانت للاستهلاك الإعلامي، وتحقيق مكاسب سياسية رخيصة على حساب الشعوب، والأمثلة حولنا تجل عن الحصر.

أقول هذا وأنا استحضر تأكيده حفظه الله، أمام المجلس الأعلى لمجلس التعاون الخليجي في 15-10-1422هـ: (إن وقتنا أثمن من أن نضيعه في استجداء الدول والمنظمات الدولية واستعطافها، وقد فعلنا هذا عبر عقود طويلة من الزمن بلا جدوى، وجهدنا أثمن من أن نهدره في شجب واستنكار، وقد قمنا بهذا عبر عقود طويلة بلا فائدة). مؤكداً أننا جميعاً: (أخطأنا في حق أمتنا الكبرى حين سمحنا لعلاقتنا العربية والإسلامية أن تكون قائمة على الشك وسوء الظن، بدلاً من المفاتحة والمصارحة. وحين نشدنا العون من الغريب ونسينا القريب، وحين فتحنا بيوتنا وأسواقنا لمنتجات الآخرين وسددناها أمام المنتجات العربية والإسلامية، وحين أجزنا لأنفسنا أن نعزو كل نكسة من نكساتنا إلى مؤامرة تجيء من وراء الحدود وإلى استعمار لا يزال يسكن العقول).. فمن يصدر عنه مثل هذا الفهم العميق والإدراك المتقدم، لا يمكن إلا أن يكون قائداً واعياً مدركاً صادقاً، ورجلاً صالحاً، كعبدالله بن عبدالعزيز.

أما الأمر الثاني من جملة الأمور المهمة التي اشتملت عليها تلك البرقية الوثيقة، فيتمثل في صدقه حفظه الله ورعاه، ووضوحه وعدم مجاملته في الحق، وهي أمور عرفها الجميع عنه، لأنها تمثل أهم مبادئ حياته، ويتضح هذا من خلال عدة نقاط وجهها لأخيه المشير السيسي، ليس من باب النصح والتوجيه، بل من باب الصدق والمحبة والإخلاص، والتجربة الثرة في الحكم والإدارة: ففي البداية يذكِّره بحق شعب بلاده عليه، الذي أتى به إلى السلطة: يسرنا أن نهنئكم بالثقة الكريمة لشعب أودعمكم آماله وطموحاته وأحلامه.

ثم يذكّر أخاه السيسي بمن لا ناصر سواه: فتوكل على الله في سرك وعلانيتك، ثم استعن بالقوي الأمين من رجالات مصر الأكفاء.

ولا ينسى حفظه الله، أن يذكِّر نفسه وأخاه الكريم بعوامل استقامة ميزان الحكم: ضرب هامة الباطل، بسيف عماده العدل، وصلابته الحق، لا مكان فيه لظلم أحد، ثم يحذره من بطانة السوء. ويذكِّره أخيراً بضرورة رحابة الصدر وقبول الرأي الآخر، مهما كان توجهه.

فمثل هذا الحديث الطيب الصادق، الشفاف الذي لا مكان فيه للزيف والغموض، لا يصدر إلا عن نفس طيبة كريمة صادقة، مؤمنة بربها، واثقة به، متوكلة عليه ومدركة لمسؤولياتها.

وبعد: أرى أنني لا أتجاوز الحقيقة إن أكدت أن برقية خادم الحرمين الشريفين، الملك الصالح عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، حفظه الله ورعاه، لأخيه المشير عبدالفتاح السيسي، رئيس جمهورية مصر العربية، مع أنها مقتضبة، إلا أنها جامعة لكل أسباب النجاح والفلاح، وتحقيق الأمن والاستقرار والرخاء، ليس لمصر وشعبها، بل لكل من ولاه الله أمراً من شؤون خلقه، زعيماً كان أو مسؤولاً أو سفيراً أو وزيراً، مسلماً أو غير مسلم، عربياً أو أعجمياً، لأنها مستمدة من دستور عماده كتاب الله العزيز، الذي لا يأتيه الباطل أبداً، ثم من سنَّة المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، معلم البشرية الأول، وهاديها إلى الحق وكل أسباب النجاح والفلاح، في الدنيا والآخرة.

فاللهم احفظ قادتنا الأماجد، ومتعهم بالصحة والعافية، ليظلوا سنداً قوياً لإخوتهم في العروبة والإسلام، ورافداً مهماً لخير البشرية في كل مكان.

مقالات أخرى للكاتب