Tuesday 10/06/2014 Issue 15230 الثلاثاء 12 شعبان 1435 العدد
10-06-2014

بيننا كائنات غير طبيعية!

مشهدان اجتماعيان حدثا في بحر أسبوع واحد، يعكسان حجم التناقض في بعديهما الديني والأخلاقي على مستوى حياتنا المعاصرة، بين سلوك إنساني راق يكاد يكون استثنائياً، وبين سلوك شيطاني سافل تتبرأ منه الحيوانات التي لا تعقل ولكنها تستجيب لفطرتها.

الأول قيام أحد خريجي كلية الملك فهد الأمنية بتقبيل قدمي والده، تقديراً منه لهذا الأب وعرفاناً بفضله - بعد الله - في تحقيق مستقبله، ووصوله إلى هذا اليوم الذي يشكل إنجازاً حقيقياً في حياته ونقلة نوعية في مراحلها، فهذا الشاب لا يملك ما يمكن أن يقدمه لأبيه إلاّ أن يبرهن له العلاقة بين ما تحقق له وما بذله والده، من خلال ذلك الموقف المشرف الذي لفت نظر الجميع، ولقي الإشادة الاجتماعية بهذا الابن البار، خاصة في عصر طغت فيه الماديات.

أما السلوك الآخر فيأتي نقيضاً تماماً لسلوك ذلك الابن البار، بل يتعداه بأنه موقف خسيس داس فاعله على كل القيم السامية، والاعتبارات الإنسانية، وواجبات الفطرة السوية، ولم يكترث بحلال أو حرام، أو يخاف رب الجنة والنار. موقف يقف له شعر الجسد هلعاً، لأنه يرسم صورة من صور العقوق بتصرف أغرب من الخيال، عندما أقدم شاب على رمي والدته على قارعة الطريق تحت حرارة الشمس اللاهبة، ثم انطلق بسيارته ترافقه زوجته إلى تبوك، دون أن يعي أنه ارتكب واحدة من أعظم كبائر الذنوب، وهي عقوق الوالدين. خاصة أنّ المتضررة من هذا العقوق المروع هي أمه. ومن هي الأم؟ إنها أحق الناس بالصحبة بنص الحديث النبوي الشريف، غير أنّ هذا العاق لم يترك صحبتها فحسب، بل أجرم فيها، وقطع وصلها، وعقها في أسوأ صورة يمكن أن يتخيلها إنسان يملك إحساساً وقلباً حياً.

بين ابن يقبل قدمي والده في مشهد يتجلل بكل معاني البر، وبين مشهد لأم رماها ابنها على قارعة الطريق في مشهد يتخضب بكل وحل العقوق، بين هذين المشهدين تبدو أزمتنا الاجتماعية، فرغم كل مناهجنا التعليمية الزاخرة بالمكانة الرفيعة للوالدين، ورغم مواعظنا الدينية التي تؤكد برّهما وأنّ رضا الله من رضاهما، ورغم أساليبنا التربوية التي تجعل الوالدين هما محوري الأمن الأسري واستقراره، ورغم برامجنا الإعلامية الهادفة، إلاّ أنّ مجتمعنا لازال يعاني من كائنات غير طبيعية، منزوعة الرحمة، معدومة الفطرة السوية، كائنات تعتقد أنها مخلدة بهذه الدنيا الفانية، وتنسى أنّ البر والعقوق سلف ودين تتبادله الأجيال في الأسرة الواحدة. فمن رميت أمك على قارعة الطريق انتظر أمر الله، انتظر ردّ الدّين. فالله سبحانه يمهل ولا يهمل، ويرد الحقوق في أوقات هو سبحانه يقدرها لحكمة يقتضيها.

moh.alkanaan555@gmail.com

تويتر @moh_alkanaan

مقالات أخرى للكاتب