Tuesday 10/06/2014 Issue 15230 الثلاثاء 12 شعبان 1435 العدد
10-06-2014

إقصاء الشعوب

) لأسباب كثيرة شاب علاقة الدول العربية والإسلامية في هذه الأعوام الثلاثة الأخيرة شيء من التوتر والتأزم فيما بينها، وقد نبع ذلك من خلافات سياسية أذكتها هبوب ما يسمّى (الربيع العربي) الذي ربما تنبأت له بعض القوى بأكثر من عقد من الزمن.

) والخلاف في وجهات النظر سنّة من سنن الله في الحياة، وفي الكون، وفي ذات الإنسان، وعلاقته بإنسان آخر، وقد تنشأ الاختلافات وتجر إلى حروب بسبب موقف بين شخصين، وأكثر ما يكون في الدول غير العميقة في إدارة شؤونها السياسية، وأيّاً كان الخلاف فقد يكون سبباً في تجدد الحياة لدى الشعوب والتفاتها إلى ذاتها، والتكاتف مع قياداتها، وقد تبحث بسببه عن مصادر قوة جديدة تتكئ عليها وتنطلق منها، بل وتسعى إلى منافسة أطراف أخرى لها هيمنتها.

) أخطر تلك الخلافات حينما تعصف بدول، أو شعوب ترتبط بأواصر كثيرة وعميقة، كالتاريخ، والدين، واللغة، وجغرافية المكان، ناهيك عن علائق أخرى، مجتمعية، أو اقتصادية ...

) دائماً صنّاع القرار السياسي لهم خبرتهم وباعهم ومعرفتهم بكيفية إدارة مثل هذه الأزمات الطارئة، وإلى أي حدود يكون مستوى الطرح والتفاهم ؟ فهم يسعون إلى بناء خطوط تواصل مفتوحة وساخنة مهما كان حجم الاختلاف.

) من الظواهر التي يؤسف لها وينبغي الوقوف بحزم أمامها ومعالجتها بحنكة وحكمة وبُعد نظر هو إقحام المجتمعات، أو الشعوب في مثل هذه المشكلات الطارئة التي ربما تصل الدول إلى حلها بأيسر الطرق، فهناك من يحاول استنهاض مجتمعه، أو اتخاذه وسيلة من وسائل الضغط على الطرف الآخر، فيبدأ التراشق والتلاسن بالأقوال (ومعظم النار من مستصغر الشرر)كما يقال، إذ قد يمتد هذا السلوك في بعض صوره، وحينما تغيّب الحكمة، ويتوارى العقل خلف العاطفة يمتد إلى سلوك سلبي، وننسى حينئذ قول الشاعر:

إذا احتربت يوما، وفاضت دماؤها

تذكرت القربى ففاضت دموعها

) كل أنواع الخلافات قد تزول، وكل الأحقاد قد تستل في يوم ما، لكن يبقى منها ما أشار إليه السابقون من العداوات:

كل العداوات قد ترجى مودتها

إلا عداوة من عاداك في الدين

) وما أكثر هذا النوع من العداوات، وما أضعفنا أمامها، أو القدرة على البوح عنها.

) على مستوى العالم العربي لم نصل ولن نصل إن شاء الله إلى مرحلة العداوات في الدين، وإن وُجد فهو لا يمثل الأكثرية. إذن متى تقحم الشعوب بالمشكلات، ومتى يحسن إقصاؤها عن هذا المعترك؟ البعض قد يمارس هذا الأسلوب بدافع وطني، وقد يتمظهر بذلك، لكنه أسلوب هو في الواقع أبعد ما يكون عن الوطنية ومنطلقاتها النبيلة. أسلوب قد تنتهزه بعض القوى، وبالذات الإعلامية وتظل تنفخ فيها حتى يصل إلى مرحلة يصعب معالجتها.

) في كثير من الأحيان قد تكون مشاركة النخب الثقافية وأصحاب الرأي لها أثرها الإيجابي في مثل هذه الظروف، وبخاصة متى ما اختارت منهج التوازن والوسطية في الطرح، ومراعاة المصالح العامة للدول والشعوب، وأهمية بناء علاقات قوية فيما بينها، لأنّ هذه الفئة هي الفئة الوحيدة التي ربما يكون لبعضها اطلاع على كيفية إدارة هذه الأزمة من قبل القوى السياسية، وربما يستعان بها كمفاتيح للحل السياسي متى تعقدت بعض القضايا أو تشابكت، ولكل دولة أجندتها وسياستها في الاستقطاب .

) المطلب الكبير هو أنّ إقصاء الشعوب عن أتون تلك المعارك هو ما تحتاجه بعض الدول، فانفلات شعب وتأجيجه تجاه شعب ما قد يصعب انتزاع فتيل الشعور السلبي الذي ربما يتراكم مع طول الزمن، ومواقف الشعوب، ومؤازرتها، لبعض المواقف ليس من الضرورة أن يصب في الصالح العام، والإثارة غير المدروسة، ورفع الشعارات حينما تمارسها الشعوب بدافع معين، قد تصطحبها في مواقف تافهة.

dr_alawees@hotmail.com

مقالات أخرى للكاتب