Sunday 15/06/2014 Issue 15235 الأحد 17 شعبان 1435 العدد
15-06-2014

قراءة شرعية في تكسير الطالب المبتعث التماثيل في المعبد الياباني

نشرت القناة الخامسة اليابانية، أن السلطات ألقت القبض على شاب سعودي اسمه محمد «31 عاماً»، وهو مشتبه به في حادثة كسر أربعة أصنام في معبد «سينسو جي» في العاصمة طوكيو، وذلك حسب «الجزيرة». وأوضحت، أن تاريخ هذه الأصنام يعود إلى 300 سنة، ويقول تقرير الشرطة، أن المشتبه به دخل في الليل دون إذن إلى المعبد، وقام بهدم الأصنام، فيما تحقق الشرطة مع شهود عيان والمارة، حيث تدرس شرطة طوكيو دوافع المشتبه به وشهادات المارة، قبل توجيه أصابع الاتهام إليه. وقد اعترف الطالب بحسب تقرير شرطة وسط العاصمة اليابانية طوكيو، وقالت إن السعودي المحتجز بتهمة تحطيم تماثيل بوذية، اعترف بفعلته، مشيرة إلى أنها ليست المرة الأولى التي يقوم فيها بعمل مشابه ضد تماثيل بوذية. ولي وقفات شرعية مع تصرف طالب الدراسات العليا على النحو التالي:

1 - تصرف هذا الطالب شاذ ولفداحته وهول أمره لابد من معالجته من منظور شرعي حتى لا يصبح فعله أنموذجا يحتذى والإسلام منه براء والمسلمون لا يقرونه على ذلك، وبخاصة أنه لايمثل طلابنا المبتعثين الذين يمثلون برنامج خادم الحرمين للابتعاث والذي يعلق عليهم الوطن تحقيق الطموحات العلمية والمعرفة المجتمعية في صورة المسلم الحقيقية، وقد حققوا أعظم الإنجازات ولله الحمد وقد تجاوز عددهم مئتي ألف ولله الحمد، ولم يصدر طيلة السنوات الماضية أي تصرفات من هذا النوع مما يسيء لمقدسات الأمم على الرغم من أعدادهم الهائلة، وهو بتصرفه الفردي والشخصي قد خالف تعليمات وزارة التعليم العالي في وطننا الغالي التي تحرص على احترام الطلاب الدول والشعوب التي فتحت ذراعيها لهم وهيأت جامعاتها لاستقبالهم فيجب تقدير ذلك لهم، وعدم خيانتهم «وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان»، وبذلك هو مناقض للعهد الذي وقع عليه من قبل الوزارة بالالتزام التام لأعراف وتعاليم ونظام الدول المبتعث إليها، وعكس ذلك فقد سجل بعض الطلاب عن طريق التثقيف الناعم والسلوك الطيب ماكان سببا لإعطاء صورة حقيقية للإسلام المتسامح والمتعايش للأسر التي عاشوا معها بكل مسؤولية أخلاقية، وكانوا خير سفراء للإسلام وكل يوم نسمع أن مسلما جديدا دخل الإسلام على يد أولئك السفراء، وتقتضي المصلحة ألا يشغل الطالب عن العلم والتعلم بارتكاب مثل هذه المغامرات التي تقف عائقا أمام مهمته الأصلية التي ابتعث من أجلها؛ لأن الطالب غير قادر على تقدير المصلحة والمفسدة فقد يصد عن سبيل الله من حيث لايشعر بسبب اجتهاد خاطئ.

2 - من يعرف الشعب الياباني يدرك أنه شعب ذو نظام ومحب للآخر ولايتدخل فيما لايعنيه، بل يرى مثل هذه فوضى ويستهجن مثل هذا التصرف ويتقزز منه ولن ينفع معه هذا الأسلوب وسيكون ردة فعله قاسية تجاه الإسلام والمسلمين، وبناء عليه فمثل هذا التصرف صد عن سبيل الله ومعوق من معوقات هداية هؤلاء البشر، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبدأ الدعوة بتكسير الأصنام والتماثيل وما أكثرها ولم تكن إزالتها من حول الكعبة أولوية عنده بل الأولوية إزالتها من اعتقاد الناس وحياتهم ونجح في تغيير الناس و الأمم عن طريق مكارم الأخلاق والتثقيف الناعم.

3 - نتمنى من كل البشر أن يعبدوا الله وحده لاشريك له وأن يخرجوا من الظلمات إلى النور، ويؤلمنا ماهم عليه من شرك ونتمنى إزالة الأصنام والتماثيل التي تعبد من دون الله من الكون بأكمله، فالله جل وعلا أحق أن يعبد، ولكن لا يحق لنا أن نتصرف بحماس واستعجال ومغامرات تفقدنا تحقيق المزيد من الإنجازات الدعوية، لأن مثل تصرف هذا الشاب المتحمس في دولة ذات سيادة وقوة ومنعة واقتصاد وتاريخ يمكن أن يضر بالدعوة وينفر البشر من التعامل مع المسلمين، ويمكن أن يمنعوا المسلمين من دخول بلادهم وفي ذلك حرمان من خير كثير.

4 - أن هذ التصرف خلاف المنهج النبوي القائم في الدعوة لله وتوحيد الناس له على الصبر والإقناع والحجة والمجادلة بالحسنى ولذلك لم يأمر أحدا من المسلمين الجدد في بطحاء مكة بهدم صنم واحد من الأصنام الثلاثمائة والستين التي كانت حول الكعبة في الجاهلية قبل الفتح وكانوا يرونها ويمرون من جانبها وكانت بلا حراسة، بل إنه صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك مدة عشرين سنة في بيت الله وقبلة المسلمين للصلاة حتى كان الفتح والتمكين، لم يفعل ذلك ثلاثة عشر عاما قبل الهجرة، ولم يفعله في عمرة القضية سنة سبع من الهجرة، وكان صلى الله عليه وسلم يطوف ومعه الصحابة الكرام بالكعبة، وهي محاطة بالشرك وأوثانه من كل جانب!! ومع ذلك لم يهدمها صلى الله عليه وسلم إلا يوم الفتح.

5 - يجب تقدير المصالح في هذه المسألة ولاتؤخذ على إطلاقها، فالتأشيرة التي منحتها السلطات اليابانية هي عقد أمان ولايجوز شرعا خيانته وعدم الوفاء به، والدخول في الليل للمعبد دون إذن محرم شرعا لأنه غدر وخيانة وهذا لايليق بالمسلمين أتباع النبي محمد صلى الله عليه وسلم المبعوث رحمة للعالمين، قال الشافعي رحمه الله تعالى في كتابه الأم - الجزء الرابع - مسائل في الجهاد والجزية - الأسارى والغلول: «فإن أمنوه أو بعضهم وأدخلوه في بلادهم بمعروف عندهم في أمانهم إياه وهم قادرون عليه فإنه يلزمه لهم أن يكونوا منه آمنين وإن لم يقل ذلك»، وقال ابن قدامة في المغني - كتاب الجهاد - الجزء التاسع - مسألة دخل إلى أرض العدو بأمان:». وأما خيانتهم، فمحرمة؛ لأنهم إنما أعطوه الأمان مشروطا بتركه خيانتهم، وأمنه إياهم من نفسه، وإن لم يكن ذلك مذكورا في اللفظ، فهو معلوم في المعنى، ولذلك من جاءنا منهم بأمان، فخاننا، كان ناقضا لعهده. فإذا ثبت هذا، لم تحل له خيانتهم، لأنه غدر، ولا يصلح في ديننا الغدر، وقد قال النبي (صلى الله عليه وسلم : المسلمون عند شروطهم). فإن خانهم، أو سرق منهم، أو اقترض شيئا وجب عليه رد ما أخذ إلى أربابه، فإن جاء أربابه إلى دار الإسلام بأمان أو إيمان، رده عليهم، وإلا بعث به إليهم؛ لأنه أخذه على وجه حرم عليه أخذه، فلزمه رد ما أخذ، كما لو أخذه من مال مسلم». وقال ابن الهمام في شرح فتح القدير - كتاب السير - الجزء السادس - باب المستأمن: «وإذا دخل المسلم دار الحرب تاجراً فلا يحل له أن يتعرض لشيء من أموالهم ودمائهم ؛ لأنه بالاستئمان ضمن لهم أن لا يتعرض لهم فإخلافه غدر والغدر حرام بالإجماع. وفي سنن أبي داود عنه عليه الصلاة والسلام (إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة فيقال هذه غدرة فلان) وتقدم قوله : عليه الصلاة والسلام لأمراء الجيوش والسرايا (لا تغلوا ولا تغدروا) في وصيته لهم»..

6 - يقاس حال الدول اليوم في النظام العالمي على حال مكة، فقد كانت دار كفر قبل بالفتح بحسب فتوى اللجنة الدائمة (الجزء رقم: 12، الصفحة رقم: 53 ،54، 52): «فهي دار كفر، وذلك مثل مكة المكرمة قبل الفتح، فإنها كانت دار كفر، وكذا البلاد التي ينتسب أهلها إلى الإسلام...»، بل إن دول العالم اليوم ومنها اليابان بشعبها النبيل ومافيهم من تسامح وماعندهم من تعايش لاتمنع من صلاة ولا عبادة، وهي في حالها تختلف عن مكة وأهلها الذين كانوا يمنعون المسلمين من العمرة والصلاة والدعاء عند البيت وكانوا يؤذونهم ويضعون العراقيل في طريقهم ولذلك لايجوز استفزاز هذه الشعوب بالمساس بمقدساتها اقتداء بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يأمر أصحابه بالتسلل بالليل إلى الكعبة لهدم ما حولها، وإنما كان حريصا على إقناع كفار قريش بالإسلام، فهدمها في تلك الحال ربما يصد عن سبيل الله وينفر الناس ويعطي كفار قريش مسوغا عند الآخرين في حرب أهل الإسلام .

7 - إذا نهى الله جل وعلا عن سب آلهة الكفار وأصنامهم خشية أن يسبوا الله في قوله تعالى: (وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، فإن تكسير التماثيل والأصنام في بلاد الكفار يؤدي إلى مفاسد ومسوغات، علما أن السب والشتم أقل ضررا من التكسير والهدم فالنهي عنه من باب أولى إن لم تكن فيه مصلحة للإسلام، وهذه المصالح يقدرها العلماء والكبار وتستعصي على الطلاب المغامرين والصغار المتحمسين، قال ابن عباس في رواية الوالبي: قالوا: يا محمد لتنتهين عن سبك آلهتنا أو لنهجونّ ربّك. فنهى الله أن يسبوا أوثانهم فيسبوا الله عدواً بغير علم. وقال قتادة: كان المسلمون يسبون أوثان الكفار فيردون ذلك عليهم، فنهاهم الله تعالى أن يَسْتَسِبُّوا لربهم قوماً جهلة لا علم لهم بالله.

وذكر القرطبي في تفسير الآية خمس مسائل، منها: الأولى: قوله تعالى (وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ) نهي. (فَيَسُبُّوا اللَّهَ) جواب النهي. فنهى سبحانه المؤمنين أن يسبوا أوثانهم؛ لأنه علم إذا سبوها نفر الكفار وازدادوا كفرا. قال ابن عباس: قالت كفار قريش لأبي طالب إما أن تنهى محمدا وأصحابه عن سب آلهتنا والغض منها وإما أن نسب إلهه ونهجوه؛ فنزلت الآية. الثانية: قال العلماء: حكمها باق في هذه الأمة على كل حال؛ فمتى كان الكافر في منعة وخيف أن يسب الإسلام أو النبي عليه السلام أو الله عز وجل، فلا يحل لمسلم أن يسب صلبانهم ولا دينهم ولا كنائسهم، ولا يتعرض إلى ما يؤدي إلى ذلك؛ لأنه بمنزلة البعث على المعصية. وعبر عن الأصنام وهي لا تعقل بـ (الذين) على معتقد الكفرة فيها. الثالثة: في هذه الآية أيضا ضرب من الموادعة، ودليل على وجوب الحكم بسد الذرائع؛ وفيها دليل على أن المحق قد يكف عن حق له إذا أدى إلى ضرر يكون في الدين. ومن هذا المعنى ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : لا تبتوا الحكم بين ذوي القرابات مخافة القطيعة. قال ابن العربي : إن كان الحق واجبا فيأخذه بكل حال وإن كان جائزا ففيه يكون هذا القول. الرابعة: قوله تعالى (عدوا) أي جهلا واعتداء...

8 - مع استحضار أن القتل والكسر والهدم والفعل بعامة أقوى من القول كالسب والشتم، ومع ذلك فمنع الأقل دليل منع الأقوى، قال ابن كثير :» فذلك قوله: (فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ) ومن هذا القبيل، وهو ترك المصلحة لمفسدة أرجح منها، ما جاء في الصحيح أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (ملعون من سب والديه)، قالوا: يا رسول اللّه وكيف يسب الرجل والديه؟ قال: يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه، أو كما قال صلى اللّه عليه وسلم ..

وبناء عليه، فتصرف الطالب المبتعث غير صحيح ولايقره الإسلام، وربما جر على الأمة ضررا لا تحمد عقباه، هذا ماظهر لي والله من وراء القصد.

abnthani@hotmail.com

عميد الموهبة والإبداع والتميز البحثي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

مقالات أخرى للكاتب