Sunday 15/06/2014 Issue 15235 الأحد 17 شعبان 1435 العدد
15-06-2014

اللغة العربية ميدان سباق أمة

فاض المورد وكثر الواردون ، فأبهرتهم حصافة سمو الوزير خالد الفيصل، وسعة رياضه وحياضه؛ فتلذذوا نمير الماء، واستروحوا في عنان السماء، عندما جاءت قوافل العربية، وقد وشحها الشوق، وشبت آمالها عن الطوق، جاءت ترحب بمن حفّز مجدها، وجدد عهدها، بين المتعلمين والمعلمين، حين اصطفاها ووجه باصطفائها، وكان له من سيد المرسلين وصاحب اللسان المبين محمد -صلى الله عليه وسلم- هادياً ونبراسا،

عندما لحن رجل بحضرته -صلى الله عليه وسلم- فقال «أرشدوا أخاكم فقد ضلّ» كما كان له في نهج الراشدين رضوان الله عليهم، عندما كتب أبو موسى الأشعري كتابا إلى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فلحن كاتبه، فرد عليه عمر قائلاً: [قنِّع كاتبك سوطاً].

لقد استجلبت ذاكرة الوزير الملهم نموذج طفل البادية الذي غلبته قربة الماء، فصاح بمن حوله [ أمسك فاها ، غلبني فوها ، لاطاقة لي بفيها ]، واستجلبت أيضاً ذاكرته رعاه الله نموذج معلمي الصبيان في حواضر الدولة الإسلامية الذين كانت مفاخرهم بسمو المنطق، وجزالة اللفظ، وقوة العارضة، وسلامة اللغة، حتى قال شاعرهم:

وننكر إن شئنا على الناس قولهم

ولا ينكرون القولَ حين نقولُ

واسترفد سمو الوزير حكم الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان على رجل من أهل الشام دخل عليه وعنده قوم يلعبون «الشطرنج» فقال لغلامه غطها، فتكلم الضيف، ولحن في حديثه، فالتفت الخليفة إلى الغلام وقال: [اكشفها فليس للاحن حرمة].

نعم جاء وزير التربية والتعليم منافحاً عن الفصحى يذب عن حماها، ويغار عليها من الخبل في الألسنة، واللوثة في النطق، والركاكة في التعبير، لقد أراد من أبناء التربية ومعلميها ومنسوبيها أن يتباروا في رحاب اللغة العربية، ويتنافسوا في أسرارها في مختلف الفجاج، ويقفوا فينثال البيان طوع ألسنتهم، وتتزاحم لهم الألفاظ في أسماطها، يريدهم أن يعطوا لغتهم صفاء قرائحهم، ونقاء مواهبهم، وشفافية أذهانهم.

وربما جاز لنا أن نقول: إنه إذا كان التاريخ يعيد نفسه، والأصل يحن الى مربعه ومرتعه، فإن هذه البلاد الطاهرة وقد تدفقت جداول الفصحى على ترابها، فلا غرو أن تكون حشود الغيرة على لغة القرآن في مهابطه، وصياغة القرارات الداعمة لها من موئل مقدسات المسلمين ومهوى أفئدتهم.

فبوركت جهودكم يا وزير التربية، عندما ناديت مجتمعنا التربوي للالتزام بالفصحى ومعاودة السليقة والفطرة، وتنشئة جيل المتعلمين، وتدريبهم على اللسان العربي المبين.

ولأن اللغة العربية في أكثرها مجاز، كما ورد عن أسلافنا من علمائها، ولغة الشعر مجاز ثانٍ داخل المجاز الأول، ولغة النفس مجازات من هذه وتلك، فإنني أبوح للغتي العربية من أعماقي:

عشقت لبانة في القلب تطرى

كما تُطري الملوكَ حلى القصيد

وألفيتُ القوافي في هواها

تسابقني لتُهديها جديدي

هي المعشوقة الأولى لقيسٍ

وصاحبة المقام لدى لبيدِ

بها نادى المهلهلُ دار سُلمى

وما وجدتْ ظلومُ من الوليدِ

وأنشدَ صاحبُ النيلين فيها

وأنشأَ صاحبُ العقد الفريدِ

- المستشار التربوي بمكتب معالي نائب الوزير لتعليم البنات

مقالات أخرى للكاتب