Wednesday 18/06/2014 Issue 15238 الاربعاء 20 شعبان 1435 العدد
18-06-2014

عودي إلى المطبخ!

وصلت المرأة السعودية إلى العديد من المناصب القيادية، وأثبتت جدارتها بما لا يدع مجالاً للشك أنها بحجم المسؤولية الموكلة إليها، وجديرة بهذا المناصب.. أقول هذا الكلام لردم ثغرات المعادين للمرأة والكارهين أن تأخذ حقوقها، التي بها تستطيع أن تمنح هذا الوطن حقه من خلال مشاركة مجتمعية كاملة لا منقوصة ولا مبتورة، ولا تتجزأ حسب الجنس أو المكان.

آخر تجربة قيادية للمرأة أتت من تحت قبة مجلس الشورى، وبرزت فيه نساء رائعات، نرفع رؤوسنا كلما ذُكرت أسماؤهن، وأسماء أخرى مجرد تحصيل حاصل، وأخريات دخلن بغية إرضاء تيار مُعين، وهذا - برأيي - من أكثر الأخطاء شيوعًا بأن نحاول إرضاء من يحاول إعاقة عجلة نمو هذا الوطن. نعم، التنوع الفكري مطلوب، لكنه يحتاج إلى عملية انتقاء دقيقة، وهذا لا أقوله فيما يخص النساء فقط، بل هو رأيي الشخصي في الجميع.

يدور النقاش هذه الأيام حول «توزير» المرأة، بعد دراسة استطلاعية ميدانية نشرتها صحيفة «الوطن» صادرة عن مركز خديجة بنت خويلد. يتبيّن في هذه الدراسة أن 54 % من العينة البالغ عددها 3000 شخص مؤيدون لأن تتقلد المرأة السعودية منصب وزيرة، وأظن لو أن العينة زادت ستظهر نسبة أعلى. وهذا يعود إلى أن المجتمع بات أكثر ثقة بالمرأة، في مقابل وجود شيء من اليأس تجاه إحداث التغييرات الإيجابية من قِبل الرجال. وبناء على هذه الدراسة قامت قناة MBC باستضافتي للتعليق عليها في نشرة أخبار التاسعة يوم السبت الفائت. ولأن مثل هذه اللقاءات موجزة، ولا تمنح الضيف القدرة على توضيح رأيه بإسهاب، أردت أن أؤكد هنا أن المنصب يستحقه صاحب الكفاءة، إلا أن حجب (بعض) المناصب عن النساء لأنهن نساء فيه ظلم شديد للمجتمع والوطن قبل أن يكون ظلمًا واقعًا على المرأة نفسها. أضف إليه أن الخطاب الحقوقي، وبخاصة الإعلامي، هو خطاب غير ناضج؛ إذ وضع المرأة والرجل وكأنهما قطبان لا يلتقيان، فإن حصلت المرأة على حق من حقوقها فهذا يقابله ظلم لحقوق الرجل. للأسف هذا الخطاب هو السائد، وهو ما أدى إلى رفض (بعضهم) خوفًا على نفسه. ولن ألوم هذه الفئة، إنما ألوم الخطاب الذي يُعزز هذه الفكرة.

أيضاً فكرة أخرى تنتشر بسبب عدم نضج الخطاب الإعلامي والحقوقي بأن المرأة التي تصل إلى هذه المناصب العالية قد تُخفق في حقوق بيتها وأطفالها. وهذا الكلام غير صحيح؛ فالمرأة القادرة على أن تُعطي وطنها ومجتمعها هي كذلك قادرة على أن تمنح بيتها الصغير حقه، ولا يعيب المرأة إدارة شؤون بيتها، ولنا في ذلك نماذج كثيرة، سواء من الداخل أو الخارج المجاور، وحتى لدى الغرب، فإن المرأة الوزيرة والسفيرة تعود إلى بيتها، وتدخل مطبخها، وتحمل أطفالها، وتقوم بأدوارها الاجتماعية على أكمل وجه، وما زالت صورة تلك العضوة في البرلمان الإيطالي في ذاكرتي، وهي تجلس على مقعدها محتضنة طفلها الصغير، وتقوم بإرضاعه بعد أن تفرغ من مداخلتها. مشهد عظيم، يجسد الأمومة لهذا الطفل والمسؤولية للوطن، ولم يعِبها، بل إن احترامها زاد عند الرأي العام. فالمطبخ والأطفال ومسؤوليات الحياة لا تتعارض إن كان هناك عقل يديرها دون أن يأخذ منها شيئاً على حساب الآخر، في حين ما زالت (بعض) العقول لدينا، وفي العالم العربي بشكل عام، تردُّ على المرأة صاحبة الفكر والرأي بازدراء وتقليل وتكرار عبارة (عودي إلى المطبخ)، وكأن المرأة التي تدخل المطبخ لا تعرف كيف تعد وليمة تملأ الفكر ووليمة أخرى تملأ المعدة!

www.salmogren.net

مقالات أخرى للكاتب