Monday 30/06/2014 Issue 15250 الأثنين 02 رمضان 1435 العدد
30-06-2014

نظرات من خلال المشربية

للبيئة الحجازية مزايا تنفرد بها اجتماعياً وعمرانياً وعلى مر تاريخها العريق عن باقي البيئات العربية والإسلامية. هي مزيج وفسيفساء أتقن الزمان صنعتها بتنوع حجارتها وغنى ألوانها, هذه البيئة التي ظلت وما تزال مقصد الأعراق البشرية على امتدادها منذ نبع زمزم تحت أقدام الرضيع إسماعيل عليه الصلاة والسلام. ألم يكن من بين كبار الصحابة رضوان الله عليهم سلمان الفارسي وصهيب الرومي وبلال الحبشي، وغيرهم

من شتى البقاع، مثالاً على تنوع مكونات هذا المجتمع الحجازي بجناحيه مكة المكرمة والمدينة المنورة، بل لو لم يكن لهذه البيئة وهذا المجتمع إلا موسم الحج من مختلف الألوان والأعراق البشرية والعمرة كذلك، لكفى لإثراء هذه البيئة وإكسابها من كل بلد ومجتمع لوناً مكوناً لهذا الطيف الاجتماعي والعمراني الفريد. وفي قصة إعادة بناء الكعبة المشرفة قبيل البعثة النبوية أن من أعاد بناءها هو بناء قبطي كان مقيماً بمكة وقتها، ومعظم أصحاب الحرف في مكة في تلك الحقبة كذلك كانوا من خارج الجزيرة العربية كون مكة حاضرة العرب وبالتالي هي مركز جذب واستقرار وتنوع. من منا لا تستوقفه المباني العتيقة في مكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة، أو أزقتها وحاراتها ببيوتها المتلاصقة الحاضنة لبعضها البعض.

من منا لا تستوقفه المشربيات، تلك الشبابيك الخشبية التي تميز العمارة الحجازية والمستمدة من بيئات عمرانية عربية أخرى، على حد علمي ولست من أهل الاختصاص. إن ما تبقى من تلك المباني والأزقة في مدينة جدة القديمة والتي لحسن الحظ تبنتها منظمة (اليونسكو) كتراث إنساني محمٍ غير قابل للإزالة والهدم، سجل لزمن وبيئة احتضنت وخرجت أجيالاً تشكل ألواناً لطيف هذا المجتمع الذي يمر بمرحلة انتقالية ويعيد تشكيل ذاته منذ اكتشاف النفط تحت أراضيه. أقول: إن تبني منظمة اليونسكو لجدة القديمة إنما هو بداية الطريق، بل هو بداية التحدي للمجتمع المحلي ولهيئة السياحة والآثار على حد سواء، أقول هذا لأنني شاهدت كما شاهد غيري مباني عريقة وعتيقة تحتها دكاكين لبيع مختلف البضائع يتاجر بها عمال أجانب، في صورة لا تتسق مع بيئة تراثية تستلزم أن يكون كل ما فيها منها نابعاً من أصالتها حتى تتناغم اللوحة. مثل هذه البيوت العتيقة إما أن تحول إلى مراكز إيواء سياحي ونزل تراثية، ومقاهي ذات طابع تراثي، أو إلى مراكز ثقافية وحتى استوديوهات للأعمال الفنية ومحترفات لمختلف الأغراض الثقافية.

نحن للتو بدأنا نضع خطانا على الطريق، والهيئة تعمل مشكورة وكذلك الأهالي، تحقق الكثير من المشاريع في جدة وغيرها كما في الغاط وأشيقر والدرعية، إنما لا يزال أمام الجميع الكثير لإتمامه، فليت الأهالي في جدة ومعهم هيئة السياحة والآثار يلتفتون إلى وضع المحلات والدكاكين والمجتزأة من تلك البيوت القديمة، إضافة إلى جعل تلك المناطق خالية من السيارات وقصرها على المشاة تحقيقاً للهدوء وحفاظاً على تماسكها وتهيئة للنفوس والعقول كي تستروح التاريخ وتستعيد ذكريات ذلك الزمن الجميل. والله يرعاكم بعنايته.

romanticmind@outlook.com

تويتر @romanticmind1

مقالات أخرى للكاتب