Wednesday 02/07/2014 Issue 15252 الاربعاء 04 رمضان 1435 العدد
02-07-2014

لماذا نجحت اليابان وفشلت مصر؟

الدراسات البحثية المقارنة بين نجاح تجربة اليابان وفشل تجربة مصر مازالت تشكل اهتماما متواصلا في معاهد وكليات العالم البحثية. كلاهما، مصر واليابان بدأتا محاولة الانتقال من أنظمة الإقطاع والاقتصاد الزراعي إلى أنظمة الاقتصاد الصناعي العلمي في نفس الوقت. في منتصف القرن التاسع عشر كان الحاكم في مصر محمد علي، بعد أن أنهى سلطة المماليك، وكان الحاكم في اليابان الامبراطور مائيجي، بعد أن استعاد السلطة الفعلية على الدولة من التحالف بين الإقطاع وفرسان الساموراي.

كلا الحاكمين، السلطان محمد علي والامبراطور مائيجي كان يواجه نفس التحديات من الامبراطورية البريطانية والولايات المتحدة الأمريكية. أساطيل وسفن القوتين الأكبر في ذلك الزمن كانتا تجوبان بحار العالم وترسو عنوة وبدون استئذان في كل ميناء في طريقها، مطالبة بإزالة العوالق السيادية أمام التبادل التجاري والثقافي والدبلوماسي.

في محاولة التحديث لمواجهة التحديات الجديدة واجه امبراطور اليابان الرفض من قبل مؤسستين فقط كانتا تتحكمان في المجتمع الياباني، مؤسسة كبار الملاك الإقطاعيين المحتكرين للأرض والقوة العاملة ـ ومؤسسة محاربي الساموراي الذين يمتلكون القوة العسكرية. كلا المؤسستين كانت تعارض التجديد والانفتاح على العالم لأن ذلك يشكل تهديدا لمصالحها المتوارثة. لكن لم يوجد إلى جانب هاتين القوتين مؤسسة دينية عبركل تاريخ اليابان. ما يسمى عندهم «طقوس الشنتو التعبدية» كانت مجرد عادات متوارثة يمكن ترجمتها في المعنى الفعلي إلى معنى «الطريق الروحاني نحو الأجداد = شنتو».

من الواضح أن افتقار المجتمع الياباني إلى دين سماوي يجمع كل المواطنين حوله كان يشكل فراغا جوهريا من الناحية التعبدية، ولكنه في نفس الوقت ألغى إمكانية الاعتراض المحتمل من طرف ثالث على محاولات التجديد أو إمكانية التحالف مع مركزي القوة الآخرين، وهذا هو ما كان يحدث دائما في كل مجتمع حاول إحداث نقلة تجديدية. القضاء في اليابان كان وضعيا يتغير بتغير الظروف.

الوضع الذي واجهه السلطان محمد علي في مصر كان جزئيا يشبه الوضع أمام امبراطور اليابان، ما عدا الوجود الراسخ والقوي للمرجعية أو المؤسسة الدينية، وهذه كان ارتباطها بالباب العالي في تركيا أقوى من ارتباطها المحلي المرجعي في مصر.

إذا امبراطور اليابان كان يواجه التحدي الخارجي المدجج بإنجازات الثورة الصناعية، الأساطيل والمدافع والبنادق والبضائع متدنية الأسعار، والتحدي الداخلي المتمثل في تحالف الإقطاع والفرسان. سلطان مصركان يواجه نفس التحديات بالإضافة إلى مشيخة الأزهر ومرجعية الإفتاء في تركيا.

يكاد الباحثون المقارنون بين التجربتين يجمعون على أن التعامل التحديثي ضد معارضة الإقطاع أو أي قوى مادية أخرى أسهل بكثير، لأن عامة المواطنين بالمفهوم المعيشي المادي يعانون من تسلط هاتين المؤسستين ويحبذون التخلص منهما لصالح أي تغيير يقترب من العدالة الاجتماعية. الوضع بالنسبة لمعارضة المؤسسة الدينية يختلف، لأن عليه التعامل مع ما توارثه الناس على أنه كله وبكامله من صميم البناء العقدي الروحي، وهو ليس في جميع كلياته كذلك.

إمكانيات السلطان العثماني في التمويل وشراء الذمم وخلط الأوراق في الداخل المصري جعلت محمد علي ومن جاء بعده إلى حكم مصر تحت التصرف الشرعي والإفتائي لسلطان تركيا، بما في ذلك تلقي الأوامر للمشاركة في المجهود العسكري العثماني وفي التمويل، وتركيا نفسها كانت في ذلك الوقت ترفض التحديث على نفس أراضيها.

في البداية استطاع محمد علي تحقيق بعض النجاح، لكنه للأسباب المذكورة أعلاه فشل في النهاية. هكذا تقول أغلب الدراسات المقارنة بين التجربة اليابانية والمصرية.

- الرياض

مقالات أخرى للكاتب