Thursday 03/07/2014 Issue 15253 الخميس 05 رمضان 1435 العدد
03-07-2014

العراق يتفكك والمالكي متمسك بالسلطة

يشكل العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين بؤرة نزاعات خطيرة هددت وتهدد منطقة الشرق الأوسط، فقد بدأت بإرهاصات الربيع العربي في عدد من الدول العربية، وسبب هذا الربيع خريفا قاسيا وصيفا حارقا لتلك الدول، وتفاوت الحريق من دولة لأخرى، ولكن تأكد أن كثيرا من الدول عانت من ويلات هذا الربيع، وخاصة شعوب تلك الدول.

ومن آخر عناقيد الربيع العربي سوريا التي شكلت أكبر صراع دموي حدث في المنطقة، وقضى إلى الآن على مائتي ألف مواطن سوري، وإصابات مماثلة ومفقودين إضافة إلى ملايين المشردين والمهجرين داخل سوريا وخارجها.

ولربما الأهم خلال العقد الحالي من القرن الحادي والعشرين هو ما يحدث -حالياً- في العراق، واستيلاء داعش وجماعات مسلحة على مناطق كبيرة من العراق، وانهيار الجيش العراقي بزعامة نوري المالكي، وانهيار مخططاته التي أفضت إلى تصدع وشيك لكيان الدولة العراقية.

ومن كان يتابع الحراك السياسي لنوري المالكي أو لنقل الفراغ السياسي الذي أحدثته سياسات المالكي الطائفية التي فرقت الصف العراقي وشتت شمله وبعثرت كل الأوراق السياسية في تلك الدولة، سيلاحظ أن هذه السياسات كانت تستدعي بالضرورة سياسات عدائية من قبل باقي الأطياف والأعراق الأخرى أفرزت الحالة العراقية التي نشهدها حاليا.

إن أسوأ ما قام به المالكي هو تفرده بالسلطة وهيمنته على مفاصل الدولة، وتغذية المؤسسات الأمنية والدفاعية والاستخباراتية برموز مؤيدة له، وبحشود من الطيف المذهبي الذي يتبعه، وهذا ما أفضى إلى اغتراب قسري لباقي الأطياف والأعراق وأفضى بالتالي إلى زعزعة الاستقرار والأمن داخل العراق. فقد هيأت سياسات المالكي بيئة خصبة ومرتعا مناسبا لخلايا إرهابية من ناحية ولاحتجاجات مستمرة من قبل الأطياف الأخرى جعلت كتلة المعارضة لحكومة المالكي هي الأكبر رغم ما قد يبدو من أغلبية وهمية انتزعها المالكي في الانتخابات الماضية.

وما يثبت غياب التأييد السياسي له هو أن الكتل السياسية التي تنتمي إلى طيفه المذهبي بدأت تتخلى عنه وعن بقائه الشخصي في السلطة.

إن دخول داعش (دولة العراق والشام) وبقوة عسكرية كبيرة على خط التأثير على مجريات الشأن العراقي ستؤدي حتما إلى بعثرة جميع الأوراق السياسية في العراق وربما في المنطقة، ومن شأنه أن يفرض واقعا جديدا في العراق وربما مناطق حدودية للعراق، وهذا مصدر قلق كبير لجميع دول المنطقة، وكذلك الدول العظمى، التي أخذت تبني مواقف واضحة وصريحة من جراء التداعيات العسكرية لداعش وجبهات مسلحة عديدة بما فيها مسلحو العشائر في بعض المناطق السنية، وانضمام الميليشيات الكردية البشمركة إلى حلقة الصراع في شمال العراق.

وأصبحت هذه الميليشيات والجبهات المسلحة قاب قوسين أو أدنى من الدخول إلى العاصمة بغداد، وفي حالة وصولها أو دخولها إلى بغداد فإن تاريخا جديدا سيكتب من جديد يكون المالكي هو المتسبب الأساسي فيه، ويكون قد أعطى للجماعات المسلحة وخاصة داعش مبررها الأساسي والضوء الأخضر في الدخول في العنف السياسي الذي يعيشه العراق -حاليا-.

إن دول المنطقة تدرك أن ما يحدث في العراق -حاليا- هو خطر يحدق بالعراق والمنطقة إجمالا، وخاصة وصول داعش كتنظيم إرهابي متطرف واستيلاءها على مناطق كبيرة في الشمال والغرب، وقربه من الوصول إلى بغداد، وهذا من شأنه أن يفرض التطرف على المنطقة ويدعم الإرهاب، وربما إعلان دولة خلافة من داعش مبنية على أساس تطرفي يعكس التأزم الكبير الذي قد تفرضه التداعيات الحالية في العراق على المنطقة بشكل إجمالي.

إن خطر داعش على وجه الخصوص يتمثل التغرير بشباب ومراهقين من دول الجوار وتجنيدهم في صفوفه، إضافة إلى نشره الفكر المتطرف في المنطقة ودعمه للإرهاب الدموي الذي اتخذه منهجا له، كما هي تنظيم القاعدة وهما يظلان فكرا واحدا يشترطان التطرف، ويعبران عن مخططاتهما باستخدام المنهج الإرهابي.

لقد عانت منطقة الشرق الأوسط كثيرا من الإرهاب، وخاصة الدول العربية، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، ومنذ الحادي عشر من سبتمبر 2001م والمملكة تواجه باستمرار حملات إرهابية تستهدف أمنها واستقرارها وثرواتها ومنجزاتها وقيادتها ومواطنيها. وتعلم المملكة أن الإرهاب يعيش في بيئات يظهر فيها الظلم والقهر، وقد حذرت المملكة من السياسات القمعية التي ينتهجها النظام السوري برئاسة بشار الأسد والسياسات الظالمة المنحازة التي يتخذها نوري المالكي في العراق. وكلا هاتين السياسات نبعت منها جماعات متطرفة تمتهن العنف منهجاً والتطرف فكراً، ومن شأن هذه البيئات أن تفرخ معها جيلا إرهابيا حاقدا ينظر بسوداوية لكل ما حوله.

وعلى الرغم من التحذيرات التي أعلنت عنها المملكة خلال السنوات الماضية، إلا أنها كدولة على استعداد للتعاون من أجل استئصال الإرهاب وانتزاع فتائل الفتنة التي نخشى أن تنتشر في المنطقة لا قدر الله.

alkarni@ksu.edu.sa

رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للإعلام والاتصال.. رئيس قسم الإعلام والاتصال بجامعة الملك خالد

مقالات أخرى للكاتب