Saturday 05/07/2014 Issue 15255 السبت 07 رمضان 1435 العدد
05-07-2014

استراحة داخل صومعة الفكر

ديوان العريض(2)

إبراهيم العريض

468 صفحة من القطع الكبير

في حلقة سابقة تناولت الجزء الأول من ديوان شاعر البحرين الكبير، وذا أنذا أستكمل ما تبقى من ديوان شعره.. بداية بحديث دمية:

مدّت لها الأم راحتيها

كأنها صورة الحنان

صبية عرشها الحنايا

ما جاوزت دولة الثمان

حقيقة الظل ذات زهو

تنعس في جفنها الأماني

ما أنضر الروض في صباها

وكل ما فيه وردتان

يتحدث عن عالمها الصغير بكل ما فيه شأن.. وما يعتمر داخله من فرح وأغاني.. إنها كعالمها الصغير صغيرة في إدراكها لما حولها.. تحلم وتحلم.. والحلم لدى الصغير لا يمكن تفسيره ولا تصويره لأن الاستشعار به مجرد لعبة متحركة داخل دائرة يعتورها الغموض إلى درجة الحيرة والبلهاء، والتناقض الحاد:

تجدُّ في حبها. ونلهو

فالجدُّ. واللهو توأمان

حتى إذ ارتقت علياء

مال بها النوم في ثواني

مقطع من قصيدة يختصر فيها شاعر حكاية طفلة تسكنها البراءة وتلفها في تلابيبها.. ومن مهد الطفولة يأخذنا الشاعر معه إلى ليلاه من جديد وهي في حفل زفافها أشبه بالسوس الأبيض في عفافها:

ليلاي بالأمس كنتِ

كأنما هيَ أنتِ

فتاة حلمي التي قد

تمثلت ليَ بنتي

لعله الشبه الذي أخذه أي مأخذ.. وراح يقارن بين صورتين متماثلتين لطفلة ولأم طفلة:

يطول منكِ انتظار

فإن سكنتُ سكنتِ

وكيف انساكِ بنتي

إذ كنتِ في المهد طفل

ترعاكِ عيني بحب

أرى لأمكِ مثله

حكاية أب أمام مشهد زفاف لابنته تجمع بين فرح الفرح.. وبين الخشية أن يتحول فرحها إلى ترح أن يجسد اللحظة الفارقة:

كأن امك ما بينهن وردة أمسي

أما ابوكِ فقد ظل وحده حيث يمسي

ومن أضواء العرس إلى الليل الدامي حيث جلنا، وقد وقفت سرحة في انتظاره قلقة خشية من المكاره وعلى فمها نداء حار:

يا حبيبي وكم شكتك لعيني ادمع

لكنت في مخبئي كأني طير مروح

لو تأخرت ساعة لم تجد من تودع

طمأنها:

اطمئني إلى لفتاك أأنسيت أمه

عندما كنتِ في العراء فملاك شمسه

أبصر الدموع تنحدر من خديها..

مازال الشك يلعب لعبت

فاحتواها كأنما انزع الحب كأسه

ومع هذا لم تطمئن إلى حسن نواياه.. حلفته وخلفته وحيدا يجتر لوعته وحزنه.. أما هي:

انثنت بعده يجر خطاها حنينها

مشهد شعري تراجيدي أشبه بحوار طرشان.. لا هي صدقت.. ولا هو أمكن إقناعها.. لنفترق عنوان جديد يجسد شعر شاعرنا الحديث.. أسوق بعضاً منه:

لنفترق الآن ما دام في مقلتينا بريق

ومادام في قعر كأسي وكأسك بعض الرحيق

فعما قليل يطل الصباح ويخبو القمر

ونلمح في الضوء ما رسمت اكف الضجر

على جبهتينا.. وفي شفتينا وندرك أن

الشعور الرقيق مضى ساخرا. وطواه القدر

على هذا المنوال وقّع رسالة فراق.. بعد أشواق ولدت ميتة لأن الشك عنوانها.. هذا ما عناه في خطابه وقد رسم صورة سوداوية متجهمة لوجهها أشبه بالظلام الذي يحمل ألف معنى ومعنى.

كسته الظلال جمال المحال

وقد يعتريه جمود الصنم

إذا رفع الليل كفيه عنا

الليل أبى أن يرفع كفيه.. لأن لقاء الليل محموم ومهموم نهاية فراق، وطلاق

ماذا قال شاعرنا في موجز القول عن شرقنا العربي.. قال:

يعقد الجيش حفلة باعتداد كلما عاد خاسرا

هكذا الشعب غفلة في بلادي لا يمل المظاهرا

حفلات تقام على شرف الهزيمة.. ومظاهر كاذبة تكرر نفسها دون أن تمل.. وماذا قال عن الناس؟!

من أتى الناس ضاحكاً لأذاهم ضحكوا كلهم معه

بينما لو بكى بكى لأساهم وحده.. يا لها ضعة

في الأول ضحك جماعي على الخيبة.. وفي الثاني من يتألم لغيره يتهم بالهون والجنون.. وعن الحرب قال شاعرنا الراحل:

قلت للحرب أين أبناء صدق؟ صدقهم من غرورها؟

فاستمرت، ولم تجبني بنطق في لظى من سعيرها

الحرب لا تعرف الكلام.. تعرف الانقسام.. والصدام.. والحسام.. وسياسة اللئام، أما الشعر فله حديث موجز:

بث في الشعر وجده ثم نادى:

خنتَ يا ليل بليلك

فرعى الليل عهدي وتقادى

قوله بالذي ملك

ان الليل لغة الشعراء.. ولعنة الشعراء ونعمة الشعراء.. كل يغني على ليله بكل بلاويه وعذاباته.. لا شيء غيره من أدبيات الحب.. النهار حيث الوضوح والشمس لا أحد يخاطبه ولا يخطبه..

الماضي لشاعرنا همسة عنه:

ذكريات تمر بي منذ أمس ليت للفجر نورها

إيه يا نفس جربي فضل كأسي فهي تعطي سرورها

مع الفجر تتلاشى الذكريات السوداوية لأنه رمز ضياء.. وتذكر فقط عندما يُغيب العقل عن الذاكرة، تحدث عن جنة دنياه لا جنة آخرته التي علمها عند الله وحده:

لا تقل ما رأيتها، فهي معنى غاب عنها مكانها

جنتي قد أتيتها.. حيث تعنى بجريح حسانها!

هكذا يرى جنة الحياة عشق لا يطاله أذى.. وجرح تضمده حسناوات بحنانهن وعطفهن كي يبرأ من سقمه..

كيف يرى المجد؟ انه يصفه:

يا سرابا. بعين رائبة حق تحت مجلى سماه

كم من الحر والظمأ رام خلق عبثا بُرد مائه

المجد في تصوره وتصويره ليس وهما.. ولا خيالا فارغا.. ولا أمنية لقاعد.. ولا حلما لجبان.. المجد طموح.. وإرادة تتحدى الصعاب.. تطوي البعاد نحو أهدافها المشروعة مستسهلة صعاب ومتاعب السعي.. مضحية للوصول إليه والحصول عليه بأعلى الأثمان يقول شاعر غيره

لا تحسب المجد تمرا انت آكله

لن تبلغ المجد حتى تلعق الصِبَّرا

لأتمة بهجة «محطة» ما قبل الأخير اجترئ منها بعض مقاطعها:

ألقت بالأنوار ثانية مسرجة

البهو بانتهاء الرواية

وعلى جانبي ممر طويل

كل ابوابه تؤدي لغاية

فإذا الناس مثل ذي حلم أو

قِص من حلمه وللوعي آية

مازالت الصورة غامضة وغائبة عن البال.. ترى من يعني بأبياته أو بياته؟!

نهضوا قائمين في زحمة الحشر

فهذا لطف وذاك رعاية

كلهم يطلب الخروج سريعا

وخطاهم في عثرة وعمايه

قد اصاب الذي تخلف منهم

كل شيء جنون في البداية

هل كان يقصد نهاية حياة.. وبداية حساب؟ ربما!

خرج الناس من مشاهدة الـ

مرض وهم يعرفون أطواره

بين راث يظل يمسح عينيه

بمنديله. أيشكو الغبارا؟

دافي لذة قضى سهرة المتعة

تبهج النفوس ابتكارا

واديب احسن ان حياة الخلق

لا تستقل الا حوارا

كلهم يلهجون بالحمد يا مسك

لتمثيلك الذي لا يجارى

انه يوم مشهود يوم يفتح الحساب.. وتشرع الموازين.. وترسى قواعد العدل بين البشر.. بين الحاكم والمحكوم وبين الظالم والمظلوم. خيراً.. هذه الأبيات الوجدانية.. حيث المشاركة:

أنا لست وحدي في انتظارك

في الرد عن ألف فم يبارك

لم يدر إلا بلبل

ما كان عنك حديث جارك

وراح يعدد أوصافها:

يا ثغر أشبه من رأيت

بها. فديتك في افترارك

أصفي لسحر حديثها

في غير لفظة من حوارك

انا لاضطراري قد عرضت

مسلما. لا لاضطرارك

حسب المفجع أن يراك

وان تململ في جوارك..

لغة التوسل والتسول في الحب لا مكان لها في قلب المرأة.. نهايتها امتهان وهجران.. (النهاية).

الرياض ص.ب 231185 - الرمز 11321 - فاكس: 2053338

مقالات أخرى للكاتب