Friday 11/07/2014 Issue 15261 الجمعة 13 رمضان 1435 العدد
11-07-2014

أهلاً رمضان ولكن؟!

في هذا الشهر الكريم يؤدي المسلمون في جميع بقاع الأرض فريضة صوم رمضان المبارك، جعله الله شهر خير وبركة على الجميع، والناس فيه متباينون، منهم من يعتبره موسماً للعبادة فيحاول جاهداً أن يجني ثماره اليانعة التي لا تحل إلا كل عام، والآخر يراه فريضة تستوجب القضاء، وربما آخر لا يعتبره هذا ولا ذلك. حمانا الله وإياكم من غفلة القلوب، وتراكم الذنوب. ومهما كان الأمر، فإن شهر رمضان المبارك شهر كريم ليس كسائر الشهور، ففيه العبادة، والصحة، وصلة الرحم, والصدقة وفضائل الأمور.

في الوقت الذي يقضي المسلمون فريضتهم، هناك عدد من المسلمين في أقطار إسلامية يتقاتلون فيما بينهم، وهم جميعاً صائمون ويقرؤون القرآن، وربما يبكون من الخشوع، وتقتل كل فئة أخرى مثلها صائمة، وتهلل وتكبر كل فئة داعية المولى أن ينصرها على عدوها.

لم يفكروا قط أنهم يصلون لإله واحد جل جلاله، ويدعون رباً واحداً رحيماً، ويتضرعون إليه جميعاً بالدعاء، ويسألونه أن يريهم الحق حقاً ويرزقهم إتباعه، وأن يريهم الباطل باطلاً ويرزقهم اجتنابه.

هم في الواقع فئات تناحر بعضها لغرض دنيوي، لصالح عدد قليل، وأما الأغلب فإنهم كما قال علي - رضي الله عنه - رعاع وراء كل ناعق. ومن العجب أنهم جميعاً متطرفون مغالون، يرون أنهم يملكون الحقيقة دون سواهم، فضاعت الحقيقة التي يملكونها، لأنه لم تعد حقيقة وإنما حقائق تقاسموها فيما بينهم، وباسم كل حقيقة يموت الرعاع لعل القادة ينالون نوال الدنيا، التي في الأغلب هم غايتهم ومناهم.

احتار العالم في كيفية التعامل معهم، وأسلوب إقناعهم بالصواب، وسبل الحد من خطرهم، وتباينت الأساليب والقنوات والوسائل، ومع هذا فقد ظلوا موجودين على الساحة في عصرنا كما كانوا في عصور مضت في فترات مختلفة من عمر التاريخ البشرى وليس الإسلامي.

الإسلام دين الرحمة والتسامح، ومع هذا فقد تشكلت أحزاب ومذاهب عبر التاريخ الإسلامي يقودها عدد محدود، اشتهر البعض وما زال موجوداً، واندثر الآخر لكن بذوره ظلت كامنة في باطن الأرض حتى تكون البيئة صالحة للإنبات، وهناك الكثير من البيئات الداعمة لمثل هذا الإنبات مثل الفقر، والظلم، والقهر، والاستبداد وانحسار الطبقة الوسطى، وضعف الحاكم، أو عدم قدرته على الإمساك بشعرة معاوية.

والشواهد كثيرة في البلدان التي حولنا، والتي لم يستطع قادتها الإبحار بأمان في خضم الأمواج العاتية التي مرت بالمنطقة.

إن تماسك الشعوب وحرصها على أمن وطنها مهم بقدر أهمية الحاكم وقدرته الإدارية، فالحاكم ليس الدولة، لأن الدولة هي الحاكم والمحكوم والدستور، ولهذا فإن التمسك بأمن الوطن والالتزام بمبادئه بما فيه من إيجابيات وسلبيات هو الضمانة الكبرى للاستقرار، ومعه يكون التطور الاقتصادي والرفاه الاجتماعي.

الصيام يهذب النفوس، ويدعو إلى التسامح، فأين منا ذلك، وأين أولئك المتقاتلون من معانيه الحميدة، إن كان قتالهم تقرباً إلى الله فإن دينهم ينهاهم عن ذلك لاسيما في الأشهر الحرم، أليس من العدل أن يعود أولئك المتقاتلون إلى عصر الازدهار الذي عاشته دولتهم الإسلامية في المشرق، سواء في الخلافة الراشدة أو العصر الأموي أو العباسي أو تلك الأمة التي تبنت الحضارة الأندلسية في المغرب حتى أن الخليفة المستنصر قد أنشأ الملكية الأموية التي بلغ عدد عناوين كتبها نحو ستمائة ألف كتاب، عدا مكتبة قرطبة الكبيرة، إضافة إلى سبعين مكتبة أخرى، ولم يكن ذلك ليتحقق لولا الاستقرار الداخلي وبسط الأمن والبعد عن الاقتتال الداخلي، وما إن انفرط عقد الدول تلك، وأخذ الناس في التقاتل حتى بدأت نجومهم بالأفوال، وطمع فيهم الطامعون، وقسموا دولتهم إلى أجزاء، وانتهز المغول هذا الضعف فقاموا باجتياحهم المشهور، وامتلأ نهر الفرات بمداد الكتب حتى أضحى النهر أسود. وفي الأندلس، وبعد سقوط الدولة الأموية تقسمت البلاد إلى طوائف تقاتل بعضها بعضاً، وكأن ما نشاهده اليوم يحاكي تلك الأيام الخوالي، وانتهز المتربص هذه الفرصة الثمينة، فاجتاح البلاد، ونصر البعض وطرد الباقين، ومن بعد ذلك طرد حتى أولئك المنتصرين وأحفادهم خوفاً من حنينهم إلى الماضي، أو خشية زوال مظاهر العبادات مع بقاء الإيمان راسخاً في الصدور حتى أنهم يراقبون مأكلهم إن كانوا يأكلون خنزيراً أو لا يأكلون في رمضان.

وأعوذ الله العلي القدير في هذا الشهر الفضيل أن يحمي بلادنا من كل مكروه وأن يديم عليها نعمة الإسلام، والأمن والأمان، وأن يكفيها شر الحاقدين والحاسدين، وأصحاب الضلالات.

مقالات أخرى للكاتب